الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

يعمل في مكان غير طاهر فهل يمسح قدميه ويصلي جالساً ؟!

تاريخ النشر : 28-02-2009

المشاهدات : 17081

السؤال

أعمل في مكان غير طاهر مع غير المسلمين ، ولا يوجد مكان للصلاة بالشكل الصحيح ، أو الوضوء ، كغسل القدمين – مثلاً - ، فهل يجوز الصلاة جالساً ، والمسح على القدمين ؟ علماً أني حاولتُ ذلك لكن تمت العملية بدون الخشوع أو حتى اللذة الإيمانية المرجوة ، الأمر الذي أشعر به حين أصلي في البيت ، أو المسجد ! . وما سبب فتور الرغبة في الصلاة حين أكون في البيت ؟ وهل لزوجتي الحق في حثي على الصلاة ؟ . أفيدوني ، جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

اعلم أنه ينبغي أن يكون العمل الذي تعمل فيه مباحاً ، فاحذر أشد الحذر من الكسب المحرَّم من عملٍ محرَّم ، وإنما دعانا لقول هذا : ما ذكرتَه من كون المكان غير طاهر ، وإذا كنتَ تعمل في مطعم : فاحذر من طبخ الخنزير ، أو الميتة ، أو أن يكون المطعم يقدِّم الخمور .

وانظر جواب السؤال رقم : (125118) .

ثانيا :

لا يحل لمسلم أن يتيمم مع وجود الماء المقدور على استعماله ، ولا أن يمسح على قدميه مع قدرته على غسلهما .

وعليك أخي السائل أن تحتاط لوضوئك ، وأن لا تفرِّط فيه ، ويمكنك الوضوء قبل مجيئك للعمل ، كما يمكنك مغادرة العمل من أجل الوضوء ، والصلاة ، والمهم : أن عليك بذل الأسباب التي تتمكن من خلالها من القيام بالوضوء .

وإذا كان الأمر يتعلق بغسل الرجلين فقط : فإننا نفيدك بحلَّين شرعيين :

1. المسح على الجوارب ، ويكون ذلك بتوضئك وضوءًا كاملاً في بيتك ، ثم تلبس الجوربين على تلك الطهارة ، ولك أن تمسح عليهما يوماً وليلة ، وهكذا تصنع كل يوم .

2. غسل الرجلين غسلاً خفيفاً ، وهو ـ عند بعض أهل العلم ـ معنى المسح ، على قراءة الجر ، في لفظة ( وَأَرْجلكُم ) الواردة في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/ من الآية 6 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنَّة ؛ فإن المسح جنس تحته نوعان : الإسالة وغير الإسالة ، كما تقول العرب : " تمسحت للصلاة " ، فما كان بالإسالة فهو الغسل ، وإذا خص أحد النوعين باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح ، فالمسح يقال على المسح العام الذي يندرج فيه الغسل ويقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل .

" منهاج السنة " ( 4 / 172 ) .

وقال :

وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً .

" منهاج السنة " ( 4 / 174 ) .

فأصبحت الحلول المتوفرة لديك كثيرة ، وهو ما يقطع عذرك في عدم الوضوء ، أو عدم غسل الرجلين ، فكن على تنبه مما ذكرناه آنفاً .

ثالثا :

لا يجوز لك صلاة الفريضة جالساً مع قدرتك على القيام ؛ فإن القيام من أركان الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم ، وصلاتك جالساً مع تلك القدرة : يجعل صلاتك باطلة .

وانظر جواب السؤال رقم : ( 67934 ) .

وعليك ـ أخي المسلم ـ الاهتمام بصلاتك أعظم من اهتمامك بعملك وباقي شئون دنياك ؛ فإن الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئاً ، ولا بدَّ لك من العمل على الأسباب التي تمكنُّك من الصلاة قائماً ، ومن الصلاة على بقعة طاهرة ؛ لأن هذا أيضاً من شروط صحة الصلاة ، وإذا لم يوجد مكان طاهر في مكان عملك : فاخرج لغيره من الأماكن الطاهرة ، ولا تفرِّط في أحكام الصلاة ؛ فقد أمرك الله تعالى بإقامتها، ومن إقامتها : القيام بأركانها ، وشروطها ، وواجباتها.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة ؛ فإن رفع الحدث ، وإزالة النجاسة - سواء كانت في البدن ، أو الثوب ، أو المكان المصلَّى فيه - : شرطان من شروط الصلاة .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 12 / 235 ) .

رابعاً:

من عادة الناس في بيوتهم أن ينشغل المرء بالأهل والأولاد ، ومتطلبات الحياة ، لذا فإن من يصلي في بيته يشعر بالفرق الكبير العظيم بينه وبين الصلاة في بيت من بيوت الله ، وإنه ليجد من النشاط في المسجد ما لا يجده في البيت ، ومن أسباب ذلك غالباً :

1. الصلاة في المسجد جماعة ، الصلاة منفرداً في البيت .

2. سماع القرآن من غيره في المسجد ، والسماع أبلغ من القراءة في التأثر .

3. عدم وجود ملهيات البيت في المسجد ، من أهل ، وأولاد ، وضوضاء .

4. ولا شك أن من يكون في ضيافة الله تعالى في بيته ، ليس حاله كمن ليس كذلك .

خامساً:

ما تقوم به زوجتك ـ بارك الله فيها ـ من حثك على إقامة الصلاة ، وأدائها في وقتها ، وجماعة في المسجد : ليس فقط حقا لها ، بل هو واجب عليها تجاهك ؛ وقد أثنى نبينا صلى الله عليه وسلم على من توقظ زوجها لصلاة الليل ، فكيف يكون الثناء لو كان ذلك حثّاً على صلاة الفرض ؟! .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ) .

رواه أبو داود ( 1308 ) والنسائي ( 1610 ) وابن ماجه ( 1336 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله - :

والمراد : التلطف معها ، والسعي في قيامها لطاعة ربها ، مهما أمكن ، قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، وقال ابن الملِك : وهذا يدل على أن إكراه أحدٍ على الخير يجوز ، بل يُستحب .

" عون المعبود " ( 4 / 135 ، 136 ) .

وأخيراً :

نشكر لك اهتمامك بالصلاة عمود الدين ، وحرصك على معرفة أحكامها ، وحرصك على أدائها كما شرعها الله تعالى ، ونوصيك خيراً بها ، وأن تظل على صلة بربك بصلاتك خاصة ، وعموم طاعتك ، واشكر لزوجتك حرصها على دينك ، وعلى عدم التسبب بسخط الله ، فمثل هذا الفعل منها يدل على قوة دين ، ورجاحة عقل .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب