الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

متى يجوز للإنسان أن يصلي قاعدا في الفريضة ؟

السؤال

هل يشترط لرخصة الجلوس أثناء الصلاة عدم القدرة التامة على القيام أو العجز التام عن القيام ؟ أم يجوز أيضا الرخصة لصاحب المقدرة على القيام لكن مع احتمالية أن يتبعها أذى ؟ وما هو حدود العجز المرخص معه الجلوس أثناء الصلاة وعدم القيام دون أن يترتب على ذلك ذنب أو إثم أو عقاب ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

القيام في صلاة الفرض ركن لابد منه ، ولا يجوز لأحد أن يصلي قاعدا إلا عند عجزه عن القيام ، أو في حال كون القيام يشق عليه مشقة شديدة ، أو كان به مرض يخاف زيادته لو صلى قائما .

فيدخل فيما ذكرنا : المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام مطلقا ، وكبير السن الذي يشق عليه القيام ، والمريض الذي يضره القيام بزيادة المرض أو تأخر الشفاء .

والأصل في ذلك ما رواه البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) .

قال ابن قدامة رحمه الله : " قال : ( والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا ) أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ) . رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد : ( فإن لم تستطع فمستلقيا ، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) . وروى أنس رضي الله عنه قال : سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده ، فحضرت الصلاة فصلى قاعدا ، وصلينا خلفه قعودا . متفق عليه .

وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به ، أو تباطؤ برئه (أي شفائه) ، أو يشق عليه مشقة شديدة ، فله أن يصلي قاعدا . ونحو هذا قال مالك وإسحاق . وقال ميمون بن مهران : إذا لم يستطع أن يقوم لدُنياه , فليصل جالسا . وحكي عن أحمد نحو ذلك "

أي من كان يستطيع القيام لمصالحه الدنيوية ، فيلزمه أن يصلي قائما ولا يجوز له القعود .

ثم قال ابن قدامة رحمه الله : " ولنا قول الله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) . وتكليف القيام في هذه الحال حرج ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جُحِش (أي جُرح) شقه الأيمن ، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية ، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه ، فكذلك تسقط عن غيره ... وإن قدر على القيام ، بأن يتكئ على عصى ، أو يستند إلى حائط ، أو يعتمد على أحد جانبيه : لزمه ؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر ، فلزمه ، كما لو قدر بغير هذه الأشياء " انتهى من "المغني" (1/443) .

وقال النووي رحمه الله : " أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه , قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام , لأنه معذور , وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ) . قال أصحابنا : ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام ، ولا يكفي أدنى مشقة ، بل المعتبر المشقة الظاهرة ، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة " انتهى من "المجموع" (4/201) .

وبين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ضابط المشقة التي تبيح ترك القيام في الفرض ، وصفة الجلوس ، فقال : " الضابط للمشقة : ما زال به الخشوع ؛ والخشوع هو : حضور القلب والطمأنينة ، فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن ، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله ، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا .

ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائما ، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه ، فإن قام تبين من وراء الجدار ، وإن جلس اختفى بالجدار عن عدوه ، فهنا نقول له : صل جالسا .

ويدل لهذا قوله تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) البقرة/ 239 ، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود ، فكذلك القيام إذا كان خائفا .

ولكن ؛ كيف يجلس ؟

يجلس متربعا على أليتيه ، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعا ؛ لأن الساق والفخذ في اليمنى ، والساق والفخذ في اليسرى كلها ظاهرة ، لأن الافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة .

وهل التربع واجب ؟

لا ، التربع سنة ، فلو صلى مفترشا ، فلا بأس ، ولو صلى محتبيا فلا بأس ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تستطع فقاعدا ) ولم يبين كيفية قعوده . فإذا قال إنسان : هل هناك دليل على أنه يصلي متربعا ؟

فالجواب : نعم ؛ قالت عائشة : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا ) ، ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش ، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من قول : ( رب اغفر لي وارحمني ) فلذلك كان التربع فيه أولى ؛ ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام والقعود الذي في محله ، لأننا لو قلنا يفترش في حال القيام لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام .

وإذا كان في حال الركوع قال بعضهم : إنه يكون مفترشا ، والصحيح : أنه يكون متربعا ؛ لأن الراكع قائم قد نصب ساقيه وفخذيه ، وليس فيه إلا انحناء الظهر فنقول : هذا المتربع يبقى متربعا ويركع وهو متربع ، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/461) .

ثانيا :

أما صلاة النافلة ، فيجوز القعود فيها من غير عذر ، إجماعا ، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم ؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ . قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ؟! قُلْتُ : حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ : صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا ! قَالَ : أَجَلْ ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ) .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم ، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها . وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ، فهذا له نصف ثواب القائم . وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما . وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به .

قال أصحابنا (الشافعية) : وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم .

وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود ، فثوابه كثوابه قائما ، لم ينقص باتفاق أصحابنا ، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام . هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ".

وقال : " وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لست كأحد منكم ) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له ، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم ، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/14) .

والله أعلم .

وانظر جواب السؤال (50180) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب