الحمد لله.
أولاً :
من انتقض وضوؤه في الصلاة بريح أو غيره خرج فتوضأ ثم عاد فاستأنف الصلاة من أولها على الراجح من قولي العلماء ، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة ، خلافا للحنفية والشافعي في القديم .
وهذا فيمن غلبه الحدث ، وأما من تعمد الحدث ، فإن صلاته تبطل بالإجماع .
وحجة الجمهور في هذه المسألة : القياس . قالوا : لأن الحدث يُبطل الطهارة ، فكذلك يبطل الصلاة ، كحدث المتعمّد .
وأما الحنفية فاحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ، ثم ليبن على صلاته ، وهو في ذلك لا يتكلم) لكنه حديث ضعيف ، رواه ابن ماجه (1221) وقال البوصيري في الزوائد: " في إسناده إسماعيل بن عياش . وقد روى عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة ". وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" : (1/495): " وأعله غير واحد بأنه من رواية إسماعيل بن عياش , عن ابن جريج , ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة , وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " انتهى. وينظر : "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (1/83) ، "وتنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/284) .
وقال النووي رحمه الله : "قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح الجديد : أنه لا يجوز البناء ، بل يجب الاستئناف , وهو مذهب المسور بن مخرمة الصحابي رضي الله عنه . وبه قال مالك وآخرون , وهو الصحيح من مذهب أحمد .
وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي : يبني على صلاته . وحكاه ابن الصباغ وغيره عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم . ورواه البيهقي عن علي وسلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاوس وأبي إدريس الخولاني وسليمان بن يسار وغيرهم رضي الله تعالى عنهم , وقد ذكر المصنف مختصر دليل المذهبين , والحديث ضعيف , والصحابة رضي الله تعالى عنهم مختلفون في المسألة فيصار للقياس , والله أعلم " انتهى من "المجموع" (4/6).
وينظر : "المغني" (1/421) .
وتأوّل الشافعي رحمه الله ما جاء عن بعض الصحابة في خروجهم من الصلاة للرعاف وتوضئهم ثم البناء على الصلاة ، تأوله على غسل الدم لا الوضوء المعروف .
قال رحمه الله : " وإنما معنى وضوئهما عندنا : غسل الدم وما أصاب من الجسد ، لا وضوء الصلاة ، وقد روي عن ابن مسعود أنه غسل يديه من طعام ثم مسح ببلل يديه وجهه ، وقال : هذا وضوء من لم يحدث ، وهذا معروف من كلام العرب ، يسمى وضوءا لغسل بعض الأعضاء ، لا لكمال وضوء الصلاة " نقله البيهقي في "السنن الكبرى" (1/143) .
ومما يدل لمذهب الجمهور : ما روى أبو داود (205) عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ) والحديث مختلف في صحته ، وصححه ابن حبان ، وحسنه غيره .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" سؤال عن حديث : (من أحدث في صلاة فلينصرف ، فإن كان في صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم) .
فأجابوا : "هذا الحديث ضعفه بعض أئمة الحديث ؛ ولذا فما دل عليه من أن المحدث في صلاته ينصرف ثم يتوضأ ويرجع ليكمل ما بقي من صلاته غير صحيح ، بل إن الحدث في أثناء الصلاة يبطلها ، وعلى الشخص بعد إعادة الوضوء أن يستأنف الصلاة من أولها ؛ كما دل عليه حديث علي بن طلق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ ، وليعد الصلاة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/438) المجموعة الثانية .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " من انتقض وضوؤه في الصلاة بريح أو رعاف كثير أو غيرهما , فإن صلاته تبطل في أصح قولي العلماء ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف ، وليتوضأ ، ثم ليعد الصلاة) أخرجه الإمام أحمد , وأهل السنن , كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في البلوغ .
أما الحديث الذي فيه البناء على ما مضى من الصلاة فهو حديث ضعيف , كما أوضح ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في البلوغ " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/159) .
ثانياً :
الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية ، وانظر جواب السؤال رقم (75977) .
والله أعلم .
تعليق