السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

كيف نجمع بين حديث :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة " ، مع كونه يتعبد لربه ؟

280430

تاريخ النشر : 21-01-2018

المشاهدات : 114676

السؤال

يشكك بعض الملاحدة والنصارى والشيعة في هذا الحديث وللأسف بعض المسلمين ، يدعون ويفترون على أشرف الخلق . مضمون الشبهة يطعن بعض منكري السنة في صحة الأحاديث الواردة في منح الأنبیاء قوة خاصة في الجماع ، من ذلك حديث أنس بن مالك قال: " كان النبي صلى الله علیه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من اللیل والنهار، وهن إحدى عشرة " قال: قلت لأنس: أوكان يطیقه ؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثین "، ويزعمون أن هذا الحديث يعارض القرآن الكريم الذي يبین أنه صلى الله علیه وسلم كان يقضي لیله في القیام والعبادة ، ويقضي نهاره في الجهاد ونشر الدعوة ، ومن ذلك قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اللیل ونصفه وثلثه) . أرجو تفسير الحديث بشكل دقيق ، وهل من تشكيك فيه ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ، حيث لا غلو ، ولا انفصال للحياة عن الشريعة ، بل جعل من العبادة السعي على المعاش ، وكفاية الرجل زوجته ، ونهى عن التبتل والرهبانية .

وذلك كما في الحديث الذي رواه مسلم في "صحيحه" (1006) من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:" أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ) .

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (5073) ، ومسلم في "صحيحه" (1402) من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ : ( رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ) .

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لرب العالمين ، وأشدهم له خشية ، وجاء ذلك في عدة أحاديث ، منها :

ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (1108) من حديث عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ ) .

وتواترت الأحاديث على شدة اجتهاده في العبادة والطاعة ، حتى تورمت قدماه من القيام صلى الله عليه وسلم .

وهذا أمر معروف مشهور ، ومن الروايات في ذلك :

الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (1130) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، قال: ( إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) .

وإن الناظر إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم يرى الوسطية في الأمور كلها ، يقوم بحق ربه من العبودية والتنسك ، ويقوم بحق أمته من الدعوة والتعليم ، ويقوم بحق أهله من حسن العشرة بالمعروف ، ويجاهد في سبيل الله بنفسه صلى الله عليه وسلم .

وكان ينكر أشد الإنكار على أصحابه الذين ربما شددوا على أنفسهم في العبادة ، وربما هجروا نساءهم .

فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (25893) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4/387) ، من حديث عروة ، قال :( دَخَلَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَحْسِبُ اسْمَهَا خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذَّةُ الْهَيْئَةِ فَسَأَلتهَا مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ ، وَيَصُومُ النَّهَارَ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لَهُ ، فَلَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا ، أَفَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ ، فَوَاللهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ ) .

ثانيا :

وأما ما ورد في السؤال : فإنه لا يتعارض مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق مقام العبودية الخاصة، ولا يتعارض مع كونه صلى الله عليه وسلم خير من عبد الله وصلى وصام وقام ، وذلك بيانه كما يلي :

أولا : الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم ، حديث صحيح ، أخرجه البخاري في "صحيحه" (268) .

ثانيا : في الحديث دلالة على أن وقوع ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم كان في ساعة واحدة من الليل أو من النهار ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي قوة ثلاثين من الرجال في هذا الباب ، فأين الخلل إذا ؟!

وقد ذهب القاضي أبو بكر بن العربي أن هذه الساعة كانت له صلى الله عليه وسلم بعد العصر ، بعيدا عن القسم بين نسائه .

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/230) :" وكان الله سبحانه قد خصه في النكاح بأشياء يأتي بيانها إن شاء الله ، لم يعطها لغيره ، منها تسع زوجات في ملك ، ثم أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق ، مقتطعة له من زمانه ، يدخل فيها علي جميع أزواجه فيطؤهن أو بعضهن ، ثم يدخل عند التي الدور لها ، ففي كتاب مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر ، فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره ، فلذلك قال في الحديث :" في الساعة الواحدة من ليل أو نهار ". انتهى

والساعة هي الجزء من الزمان ، وليست الساعة الزمنية المعروفة اليوم .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/377) :" قَوْلُهُ " فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ " الْمُرَادُ بِهَا قَدْرٌ مِنَ الزَّمَانِ ، لَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْهَيْئَةِ ". انتهى

ثم إن ذلك لم يكن خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فحسب ، بل هذا سليمان عليه السلام ، وهو مشهور بجهاده العظيم في سبيل الله ، كان له النساء الكثير ، ولم يشغلنه عن جهاده في سبيل الله تعالى ، بل في كتب أهل الكتاب التي بين أيديهم الآن : أنه كان لسليمان عليه السلام : ألف امرأة ، وليس مائة فقط ، وفي الحديث الصحيح السابق أنه طاف على مائة امرأة ، منهن ، في ليلة واحدة .

فإذا كان هذا حال نبي الله سليمان عليه السلام ، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأحسن بلا ريب .

وقد ثبت في البخاري (5242) ، ومسلم (1654) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه ُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ ، فَأَطَافَ بِهِنَّ ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ ،  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ ) .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/462) في شرحه لحديث " لأطوفن الليلة على مائة امرأة " :" وَفِيهِ مَا خُصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ الدَّالِّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَكَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ وَالْعُلُومِ ، وَقَدْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغُ الْمُعْجِزَةِ ، لِأَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَعُلُومِهِ وَمُعَالَجَةِ الْخَلْقِ ، كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَعْفِ الْبَدَنِ عَلَى كَثْرَةِ الْجِمَاعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَة بِغسْل وَاحِد وَهن إحدى عَشْرَةَ امْرَأَةً ". انتهى .

ثالثا : أن الحديث الذي ذكره السائل ، وهو حديث أنس ، قد ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يدل على العادة المستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لعدة أمور :

الأمر الأول : أنه قد ورد في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يقسم لزوجاته فيبيت عند كل واحدة منهن ليلة ، إلا أنه يدور عليهن جميعا كل يوم ليسأل عليهن ، ويؤنسهن ، إلا أنه لا يجامع أي واحدة منهن إلا في ليلتها .

وقد دل على ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد في "مسنده" ( 24765) ، و أبو داود في "سننه" (2135) من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت :( كان رسولُ اللهِ  صلَّى الله عليه وسلم لا يُفضِّلُ بعضنا على بعضٍ في القَسمِ ، من مُكثه عِندنا ، وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يَطُوفُ علينا جميعاً ، فيدنو مِنْ كُلِّ امرأة ، مِن غير مَسِيسٍ ، حتى يَبْلُغَ إلى التي هو يَوْمُها فيبيتُ عندها ) .

 والحديث صحيح ، صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1852) .

وموضع الشاهد في الحديث قولها :" فيدنو من كل امرأة من غير مسيس "، أي من غير جماع.

الأمر الثاني : أن حديث أنس الذي أورده السائل ، وإن كان عبر عنه في هذه الرواية بلفظ " كان " ، والتي تدل على الاستمرار ، إلا أن كثيرا من أهل العلم حملوا ذلك على أنه كان في أوقات مخصوصة ، بل حمله بعضهم على أنه حدث مرة واحدة ، جمعا بين الأدلة .

قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/300) :" وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا مَعْنَاهُ فِي حِينِ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، فِي وَقْتٍ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ ، فَجَمَعهنَ حِينَئِذٍ ، ثُمَّ دَارَ بِالْقِسْمِ عَلَيْهِنَّ بَعْدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهُنَّ كُنَّ حَرَائِرَ ، وَسُنَّتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ  فِيهِنَّ الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ ، وَأَلَّا يَمَسَّ الْوَاحِدَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى ، وَهَذَا قول جماعة الفقهاء ". انتهى

وقال المناوي في "فيض القدير" (5/228) في أثناء شرحه لحديث أنس: " ثم قضية "كان" [يعني : مقتضى هذا اللفظ] ، المشعرة باللزوم والاستمرار : أن ذلك كان يقع غالبا ، إن لم يكن دائما .

لكن في الخبر المتفق عليه : ما يشعر بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادته الإحرام ، ولفظه عن عائشة :" كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيطوف على نسائه ، فيصبح محرما ينضح طيبا ". انتهى .

وكذا نقله الكشميري في "العرف الشذي" (1/159) عن القاضي أبي بكر بن العربي المالكي ، فقال :" قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن هذه واقعة حجة الوداع قبل الإحرام ، وكان غرضه قضاء حاجتهن ، وإن عبرها الراوي بطريق الاستمرار ولفظ العادة ". انتهى

وأكد الصنعاني ذلك في "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/592) فقال :" واعلم أن ظاهر " كان يطوف " : أنه كان يداوم على ذلك ، وفي الحديث المتفق عليه ما يؤخذ منه بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادة الإحرام ، ولفظه عن عائشة " كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا " . انتهى

ومما يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده هذا العدد من زوجاته إلا في آخر حياته صلى الله عليه وسلم .

والحاصل :

أنه لا يزال الرجل يمدح بقوته ، وعفته ، وصيانته ، فكيف إذا انضم مع ذلك تعبده وتنسكه ، وقيامه كذلك بحق أزواجه أحسن القيام وأتمه ، وهذا الذي كان لنبينا صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب ، ولذا كان أكمل الخلق ، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب