الحمد لله.
نعم ، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه شهراً على قبائل من العرب غدروا بسبعين من أصحابه رضي الله عنهم وقتلوهم .
فروى البخاري (3170) ومسلم (677) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) .
وكان صلى الله عليه وسلم يقنت في الصلوات الخمس كلها ، لا يخص فرضا دون فرض ، فروى أبو داود (1443) وأحمد (2741) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ) صححه ابن القيم في "الزاد" (1/280) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال النووي رحمه الله :
" الصَّحِيح فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نَزَلَتْ (يعني النازلة) قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ " انتهى
"المجموع" (3/485) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
"يُشْرَعُ أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَدْعُو عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْفَجْرِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (22 / 270)
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النوازل ، يدعو على المعتدين من الكفار ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم ، ثم ترك ذلك ولم يخص بالقنوت فرضا دون فرض" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/42) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"قنوت النوازل سنة مؤكدة في جميع الصلوات , وهو الدعاء على الظالم بأن يخزيه الله ويذله ويهزم جمعه ويشتت شمله ، وينصر المسلمين عليه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (7/381) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" القنوت في النوازل مشروع في جميع الصلوات كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس خاصاً بصلاة الفجر والمغرب ، وليس خاصاً بليلة أو يوم معين من الأسبوع ، بل هو عام في كل أيام الأسبوع " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (160/32) .
أما القنوت في صلاة الجمعة فقد اختلف العلماء في ذلك ، وذهب أكثرهم إلى أنه لا يقنت ، اكتفاءً بالدعاء في الخطبة ، ولأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فيها .
فعن طاوس ومكحول والنخعي أنه بدعة .
وأنكره عطاء والحسن وقتادة .
"مصنف عبد الرزاق" (3/194) ، "مصنف ابن أبي شيبة" (2/46) .
وعن الإمام مالك رحمه الله أنه سأل ابن شهاب عن القنوت يوم الجمعة فقال : "محدث" انتهى .
"الاستذكار" (2/293) .
وعنه أيضا قال : "كان الناس في زمن بني أمية يقنتون في الجمعة ، وما ذلك بصواب" انتهى .
"الاستذكار" (2/76) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/175) :
" وَعَنْهُ – يعني الإمام أحمد - يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ خَلَا الْجُمُعَةِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ , وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ [ابن تيمية] ، وَقِيلَ : يَقْنُتُ فِي الْجُمُعَةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي" انتهى باختصار .
وقال ابن المنذر رحمه الله :
" اختلف أهل العلم في القنوت في الجمعة ، فكرهت طائفة القنوت في الجمعة ، وممن كان لا يقنت في صلاة الجمعة : علي بن أبي طالب ، والمغيرة بن شعبة ، والنعمان بن بشير ، وبه قال عطاء ، والزهري ، وقتادة ، ومالك ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وقال أحمد : بنو أمية كانت تقنت .
وروي عن محمد بن علي ، قال : القنوت في الفجر ، والجمعة ، والعيدين ، وكل صلاة يجهر فيها بالقراءة . قال ابن المنذر : بالقول الأول أقول " انتهى .
"الأوسط" (6/41-42) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم القنوت في صلاة الجمعة ؟
فأجاب :
"يقول العلماء : إن الإمام لا يقنُت في صلاة الجمعة ؛ لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين ، فيُدعى لمن يُراد أن يُقْنَت لهم في أثناء الخطبة ، هكذا قال أهل العلم .
فقيل له : وإن قنت ؟
فأجاب :
ما دام أن العلماء قالوا : لا يقنت ، فعليه أن يترك .
فقيل له : وهل هو جائز ؟
فأجاب :
لا بأس ؛ لأنه حتى لو قنت فإنه لا يعتبر عاصياً ؛ لكن الأحسن أن يدعو لمن أراد القنوت لهم في أثناء الخطبة" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (24/15) .
والله أعلم .
تعليق