استأجر شخصا لعمل محرم فهل يعطيه الأجرة أم يتصدق بها ؟
شخص مدين لآخر قام له بعمل محرم هل يجوز للمدين أن يؤدي ما بقي عليه من الدين مقابل العمل المحرم الذي قام له به الشخص الآخر ؟ أم أن الدين يسقط عنه ؟ مع العلم أنه لا يخشى أن يُرفع أمره إلى المحكمة والمبلغ يسير فهل يتحلل منه أو أنه يسقط عنه ؟
الجواب
الحمد لله.
إذا كان مقصودك أن شخصا استأجر غيره لعمل محرم ، كأن يستأجره للعزف والزمر مثلا ،
أو ليشهد له زورا ، أو ليضرب له بريئا ، أو كمن يستأجر امرأة للزنا ونحو ذلك من
الأعمال المحرمة ، فهل يلزم المستأجر أن يدفع الأجرة أم لا ؟ فالجواب : أنه لا يجوز
أن يدفع له الأجرة على العمل المحرم ، ويلزمه أن يتصدق بهذا المال ، لئلا يجمع بين
العوضين : المنفعة المحرمة ، والمال .
قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/569) : " وكما يحرم أخذ الأجرة
على الحرام يحرم إعطاؤه ; لأنه إعانة على معصية ، كأجرة الزمر والنياحة "
انتهى
.
وفي "المدونة" (3/437) : " قلت : أرأيت لو أن مسلما آجر نفسه من نصراني يرعى له
خنازير فرعاها له فأراد أخذ إجارته ؟ قال : قال مالك في النصراني يبيع من المسلم
خمرا أرى أن يؤخذ الثمن فيتصدق به على المساكين أدبا للنصراني وتكسر الخمر في يد
المسلم . قال ابن القاسم : وأنا أرى أن تؤخذ الإجارة من النصراني فيتصدق بها على
المساكين ولا يعطاها هذا المسلم أدبا لهذا المسلم , ولأن الإجارة أيضا لا تحل لهذا
المسلم إذا كانت إجارته من رعي الخنازير ... ويتصدق بالأجرة على المساكين ولا تترك
الأجرة للنصراني مثل قول مالك في الخمر "
انتهى مختصرا .
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/290) : " الإجارة على المنافع المحرمة كالزنى والنوح
والغناء والملاهي محرمة وعقدها باطل ، لا يستحق به أجرة "
انتهى
.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل حلق ذقنه عند الحلاق وقال : سوف أعطيك
المال فيما بعد دينا عليّ ، ثم هداه الله والتزم بأحكام الإسلام فهل يعطيه المال أم
لا ؟
فأجاب : " يقول له : أنا لن أعطيك إياه لأن هذا مقابل عمل محرم ، ويتصدق به " .
وانظر جواب السؤال رقم (75072)
.
ولو أن المستأجر دفع الأجرة ، ثم تاب المغني أو شاهد الزور أو الزانية والمال في
أيديهم ، فإنه يلزمهم أن يتصدقوا به ، ولا يردوه على المستأجر ، في أصح أقوال
العلماء ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (78289)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن أخذ عوضا عن عين محرمة أو نفع استوفاه
مثل أجرة حَمَّال الخمر وأجرة صانع الصليب وأجرة البغيّ ونحو ذلك فليتصدق بها ،
وليتب من ذلك العمل المحرم ، وتكون صدقته بالعوض كفارة لما فعله ، فإن هذا العوض لا
يجوز الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث ، ولا يعاد إلى صاحبه ؛ لأنه قد استوفى العوض ،
ويتصدق به كما نص على ذلك من نص من العلماء ، كما نص عليه الإمام أحمد في مثل حامل
الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم " انتهى
من "مجموع الفتاوى" (22/142).
والحاصل : أن المستأجر يلزمه التصدق بالمال ، ولا يجوز أن يعطيه لمن قام بالعمل
المحرم ، ويلزمهما التوبة إلى الله تعالى .
والله أعلم .