الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

كيفية التصرف في المال الحرام بعد التوبة

السؤال

أنا محاسب في شركة حسابات. أقوم بتحضير البيانات الحسابية وعوائد الضرائب وتقديم نصائح للعملاء حول أمورهم المالية والضريبية . وعملاؤنا في الغالب من أصحاب المطاعم الصغيرة. ولدينا أيضًا بعض العملاء في الشهر العقاري وقطاع الأعمال الخاصة . بالنسبة لأصحاب المطاعم ـ من عملائنا ـ يقومون ببيع لحم الخنزير بجانب منتجات أخرى. وكافة عملاءنا يتعاملون بالربا (دفعًا واستلامًا) . وأحيانًا يلزم عليّ كتابة خطابات تبين حالة العملاء المالية مع سابق علمي أن هذا الخطاب سيتم استخدامه في أخذ فائدة قروض ربوية . فهل عملي حلال؟ إذا لم يكن حلالاً وقمت بترك هذا العمل والتحقت بعمل آخر حلال، فهل يجوز لي الاحتفاظ بالمال الذي اكتسبته وادخرته من هذا العمل ؟ وهل يجوز لي استثمار هذا المال في أعمال أخرى ؟ وهل يجوز لي أداء الحج بهذا المال ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

العمل في مجال تسجيل الربا أو حسابه ، أو كتابة خطاباته ، أو نحو ذلك مما فيه إعانة عليه ، لا يجوز ؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان ، قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2

فالواجب ترك العمل في هذا المجال والاقتصار على الأعمال المباحة ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .

وانظر جواب السؤال (59864) ، ففيه تحريم المعاونة على الربا ولو بكتابة خطاب تعريف.

ثانيا :

من تاب إلى الله تعالى من عمل محرم ، وقد اكتسب منه مالا ، كأجرة الغناء والرشوة والكهانة وشهادة الزور ، والأجرة على كتابة الربا ، ونحو ذلك من الأعمال المحرمة ، فإن كان قد أنفق المال ، فلا شيء عليه ، وإن كان المال في يده ، فيلزمه التخلص منه بإنفاقه في وجه الخير ، إلا إذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة ، ويتخلص من الباقي ، وليس له أن يحج منه ؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا .

قال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغنى وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده . فقالت طائفة : يرده إلى مالكه ؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لصاحبه في مقابلته نفع مباح .

وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389).

وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون : " بالتصدق به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن تابت هذه البغي وهذا الخمار ، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل، أُعطي ما يكون له رأس مال. " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308).

وينظر تفصيل هذه المسألة في : "الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة" ، للدكتور عبد الله بن محمد السعيدي (2/779- 874).

ثالثا :

يستفاد من كلام شيخ الإسلام السابق أن التائب من الكسب المحرم إن كان محتاجا فإنه يأخذ من المال قدر حاجته ، وله أن يستثمر شيئا منه يجعله رأس مال في تجارة أو صناعة ، ثم يتصدق بما زاد عن حاجته .

رابعا :

حيث إن عملك منه ما هو مباح ، ومنه ما هو محرم ، فاجتهد في تقدير نسبة الحرام ، وتخلص مما يقابلها من المال الذي في يدك ؛ فإن شق عليك التقدير ، فتخلص من نصفه ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ... وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما ، جعل ذلك نصفين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/307) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب