عمل المحلِّل الرياضي والسياسي وغيرهما
هناك بمحل عملي من يُدْعون بالمحللين الذين يقومون ببيع آرائهم مقابل الحصول على المال ، فهل هذه المتاجرة بالمواهب العقلية أخلاقية أم أنها تجر إثماً ؟ بما أنه عند إعطاء المحللين أموالاً كافية فإنهم يقومون بقول أي شيء أو التفكير فيه أو القيام به ؟ .
الجواب
الحمد لله.
تختلف نظرة الناس للأحداث من شخص لآخر ، وتتفاوت معلومات الناس من واحد لآخر ، وعلى
ضوء المعلومات وفهم واقعها يكون التحليل لتلك المعلومات وذلك الواقع ، وقد كثرت
الحاجة لمثل هؤلاء المحللين حتى أنشئت في كثير من الدول معاهد للأبحاث والدراسات ،
ومهمتها الاطلاع على المعلومات المتوفرة ، وتحليل معانيها ، وتقدم هذه الدراسات
للدول والمؤسسات السياسية – كالوزارات - ، ويستعان بمثل هؤلاء المحللين في القنوات
الفضائية لإطلاع المشاهدين على آخر التطورات وتحليل واقعها .
وأما حكم عمل هؤلاء المحللين فإن ذلك يختلف تبعاً لطبيعة المادة التي يعكفون على
تجميع معلوماتها وتحليل واقعها ، ويختلف – أيضاً – باختلاف فعلهم من حيث الظن
والتخرص ، أو من حيث الجزم بوقوع شيء في المستقبل .
أما الناحية الأولى :
فلا ينبغي أن يعمل المسلم كمحلل " رياضي " أو " فني " ، ولا حرج في العمل كمحلل "
عسكري " أو " سياسي " أو "اقتصادي".
أما المحلل الرياضي : فإنه من يتتبع الألعاب الرياضية المختلفة ، ويدقق في أداء
أصحابها ، ويجمع معلومات حول اللاعب وناديه وتاريخه ، ثم يخرج ليحلل أداء تلك الفرق
، وأولئك اللاعبين ، وقد عجبنا ممن خرج على الفضائيات واشتهر بتحليلاته الرياضية ،
وقد رأيناه أضاع عمره في تتبع المباريات ، وأداء اللاعبين ، وإنه ليذهل السامع
والمشاهد لما يسمعه ويشاهده من وفرة معلوماته في المباريات ، والأداءات ، والنجاحات
للنوادي واللاعبين ، وكل ذلك في أمور لا تنفعه عند ربه تعالى ، ولا تعلي درجته ،
ولا تكفر سيئاته ، ولو أنه استثمر طاقته وجهده في العلم النافع المفيد لصار أعجوبة
!
وأما – في " المحلل الفني " ، وهو الذي يتابع الأفلام أو
المسرحيات أو الأغاني – بحسب تخصصه – ثم يبدأ بتحليل نجاح ذلك " الفيلم " أو انتكاس
تلك المسرحية ، ويحلل شخصية ذلك " الفنان " وتلك " المغنية " أو " الراقصة " ! فكم
سيكتسب مثل هؤلاء من آثام وذنوب مقابل ما يسمعونه ويشاهدونه ؟! ثم يأتي التعظيم
والمدح والثناء لأولئك الحثالات الذين فسدوا وأفسدوا ، وضلوا وأضلوا بذكر أحوالهم ،
والدعوة للاقتداء بهم ، واتخاذهم مثلاً أعلى !
وأما " المحلل العسكري " و " المحلل السياسي " : فالأصل في أعمالهم الإباحة ، وهم الذين يدرسون تاريخ الدول ، والجيوش ، والمعارك ، ويقفون على حجم القوات
العسكرية الغازية ، أو المغزوَّة ، وعلى واقع سياسات الدول وحكامها ، ثم يعطي
الواحد منهم نظرته لحقيقة الصراع ، والنصح ، والإرشاد ، وتوقع ما يحصل .
وأما المحلل " المالي " أو " الاقتصادي " فيمكن أن يكون مباحاً إذا لم يكن يثني
ويشجع على المساهمة في الشركات والمؤسسات الربوية أو ذات الأعمال المحرمة ، ويحرم
إذا كان يشجع على ذلك .
وأما الناحية الثانية :
ففي الحالات الجائزة للعمل كمحلل : لا يجوز لأحدٍ من أولئك أن يجزم بوقوع حدثٍ
معيَّن ؛ وذلك لأن هذا في علم الغيب ، ولا يعدو دوره أن يكون في تحليل واقع الحدث
السياسي أو العسكري ، ثم تقديم النصح والتوجيه والإرشاد ، ولا يحل له الجزم بحصول
حدثٍ ما في المستقبل ، وما أكثر ما رأينا بعض أولئك وقد جزم بانتصار ذلك الجيش ، أو
سقوط ذلك السياسي ، ولم يحدث شيء مما قاله.
والمحلل لا يجوز له أن يعمل وفق نظرة غيره ممن يدفع له المال ، وإلا كان كاذباً ،
أو شاهد زور ، فهو يتكلم وفق معلوماته وفهمه لها ، والأصل أن يكون بعيداً عن
الإملاءات التي تخالف قناعاته ، ومن خالف هذا الأصل فإنه
فاقد المصداقية ، ولم يعد يخفى على الناس مثل هذا الصنف من المحللين .
فأنت ترى أن المحلل له عمل ضخم يقوم به ، من القراءة ، والاطلاع ، والجمع للمعلومات
، وتحليلها ، ومتابعتها ، فإذا أخذ على ذلك أجراً : فهذا من المباح الحلال ، على أن
يلتزم ما سبق ذكره من الصدق والأمانة .
والله أعلم