موظفون يأخذون " بدل تفرغ " على أعمال لا يقومون بها
نحن أطباء وفنيون نعمل ببعض الإدارات الصحية حيث نمارس أعمالاً إدارية ومكتبية بعيدة كل البعد عن تخصصاتنا الأساسية ، وبعض الموظفين يرغبون في العمل الإداري تهرباً من العمل الفني ، علماً بأن نظام اللائحة الصحية منحونا بدل تفرغ بشرط أن نباشر أعمالنا الأساسية ( طبيب ، فني ، ممرض ، إلخ ) ، والآن نحن نعمل بالأعمال المكتبية والإدارية لمدة 8 ساعات باليوم ، متعللين بنقص الإداريين علماً بأن الجهات الرقابية طلبت منَّا العودة إلى تخصصاتنا الأصلية ، وإعادة تأهيلنا ، أو التنازل عن بدل التفرغ ، إلا أن الكثير من الموظفين ما يزالون يعملون بأعمال إدارية ولم يرجعوا لأعمالهم الأساسية ، ولم يتنازلوا عن بدل التفرغ .
فهل بدل التفرغ الذي نحصل عليه يعتبر حراماً ، أم حلالاً ؟ وإذا كان حراماً هل نعيد
المبالغ التي حصلنا عليها مسبقاً ؟ أو نتصدق بها ؟ .
الجواب
الحمد لله.
الواجب على الموظفين أداء أعمالهم بإتقان وإحسان ، والالتزام باللوائح التي تنظم
عملهم ، من حيث وقته ، ومكانه ، وطبيعته ، ولا يجوز للموظف أن يتخلف عن ذلك ، وإلا
كان مفرطاً في الأمانة ، وآكلاً للسحت .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"أما الموظفون الذين لا يؤدون أعمالهم ، أو لا ينصحون فيها : فقد سمعتم أن مِن خصال
الإيمان : أداء الأمانة ، ورعايتها ، كما قال الله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
النساء/ 58
، فالأمانة مِن أعظم خصال الإيمان ،
والخيانة مِن أعظم خصال النفاق ، كما قال الله سبحانه في وصف المؤمنين : (
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ )
المؤمنون/ 8
، وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ ) الأنفال/ 27 .
فالواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق ، وإخلاص ، وعناية , وحفظاً للوقت ، حتى
تبرأ الذمة ، ويطيب الكسب ، ويُرضي ربه ، وينصح لدولته في هذا الأمر ، أو للشركة
التي هو فيها ، أو لأي جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله ،
وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان ، وغاية النصح ، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ،
ويعمل بقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا ) النساء/ 58 .
ومن خصال أهل النفاق : الخيانة في الأمانات ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
( آية المنافق ثلاث : إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه
, فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق ، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم ، وأن
يحافظ على أمانته ، وأن يؤدي عمله بغاية العناية ، ويحفظ وقته ، ولو تساهل رئيسه ،
ولو لم يأمره رئيسه ، فلا يقعد عن العمل ، أو يتساهل فيه ، بل ينبغي أن يجتهد حتى
يكون خيراً من رئيسه في أداء العمل ، والنصح في الأمانة ، وحتى يكون قدوة حسنة
لغيره" انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 39 ، 40 ) .
وحتى يطيب كسبكم لا بدَّ من الالتزام بطبيعة وأوقات العمل الذي طُلب منكم ، وإلا
كان كسبكم حراماً ، فتحديد طبيعة العمل ، وأوقاته لا يرجع للموظف نفسه ، وإلا لمشى
الناس على أهوائهم ، ولدبَّت الفوضى في قطاعات الأعمال جميعها .
ومن لم يلتزم بطبيعة العمل الذي طُلب منه ، أو لم يلتزم بالساعات المطلوبة : فإنه
يكتسب إثماً ، ويكسب حراماً .
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
شخص انتدب في مهمة ، ولمدة معينة ، وقضى أكثرها في هذه المهمة الموكلة له مع بقية
زملائه ، وبقي يوم أو يومان ، وقال المسئول عن هذه المهمة للمنتدبين : هذا اليوم
تنتهي المهمة وغداً الذي يرغب المغادرة إلى أهله بإمكانه أن يرجع ، فهل يصح أن يأخذ
قيمة انتداب هذا اليوم أو اليومين اللذين لم يجلس فيهما للمهمة ؟ .
فأجاب:
"لا يجوز أن يأخذ من قيمة الانتداب إلا بمقدار الأيام التي كان يعمل فيها ، أما
الأيام التي تركها ورجع إلى أهله : فلا يجوز له أن يأخذ عنها شيئاً ؛ لأنه في غير
مقابل ، وإذن المسئول له بالرجوع إلى أهله لا يسوغ له الأخذ عن الأيام التي تركها ؛
لأنه لما رجع انقطع انتدابه ، نعم ، يعتبر يوم الذهاب ، ويوم الرجوع ، إذا كان
المكان بعيداً" انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( السؤال رقم 327 ) .
وسئل حفظه الله :
الأعذار التي يقدمها الموظف لرئيسه قد تكون في أكثر الأحيان كذباً ، ما رأي فضيلتكم
؟ .
فأجاب:
"الواجب على المسلم أن يتقي الله ، ويترك الكذب ، والحيل التي يتذرع بها إلى ترك
العمل الوظيفي الذي وكِّل إليه في مقابل راتب يتقاضاه ، وعلى المسئولين عن دوام
الموظفين من رؤساء الدوائر أن يتقوا الله ، ويدققوا في الإجازات التي يمنحونها
لموظفيهم بأن تكون جارية على المنهج الصحيح ، والنظام الوظيفي ، وأن يسدوا الطريق
على المحتالين والمتلاعبين ؛ لأن هذه أمانة في أعناق الجميع ، يُسألون عنها أمام
الله سبحانه وتعالى" انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( السؤال رقم 328 ) .
ومن اكتسب إثماً جراء إخلاله بواجبه الوظيفي : فعليه التوبة والاستغفار ، وإصلاح
حاله ، وما كسبه من مال منهم : فالواجب عليه إرجاعه لأصحاب العمل أو المؤسسة التي
يعمل بها ، وليختر ما يناسب من طرق ترفع عنه الحرج ، وتوصل الحق لأهله ، ومن عجز عن
ذلك بعد بذل الأسباب : فعليه أن يتخلص من هذا المال ببذله في وجوه الخير المختلفة .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
انتدبت أنا وزميلي إلى إحدى المناطق لمدة أربعة أيام ، إلا أنني لم أذهب مع زميلي ،
وبقيت على رأس عملي ، وبعد فترة استلمت ذلك الانتداب ، فهل يجوز لي استهلاكه أم لا
؟ وإذا كان لا يحل لي أخذه فهل يجوز صرفه في مستلزمات المكتب الذي أعمل فيه؟
فأجاب :
"الواجب عليك رده ؛ لأنك لا تستحقه ، لعدم قيامك بالانتداب ، فإن لم يتيسر ذلك :
وجب صرفه في بعض جهات الخير ، كالصدقة على الفقراء ، والمساهمة به في بعض المشاريع
الخيرية ، مع التوبة ، والاستغفار ، والحذر من العودة إلى مثل ذلك"
انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 19 / 343 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عمل إضافي , وقد قامت الدائرة التي أعمل
فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ، ولمدة ( 45 )
يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يعلموني بذلك ,
ولما سألت أحدهم قال لي : لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ
لذلك العمل لي ، ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ ، أهو حلال أم
حرام , علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل , حيث
إنني في نظرهم موظف نشيط ، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي ، وعلى حسن عملي
, حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالاً فماذا أعمل به ؟ .
فأجاب:
"هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن : هل هذا حق أو باطل ؟ بمعنى : هل هذه
المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا ؟ لم يقم بالعمل
, إذا لم يقم بالعمل : صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال
بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على
مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني الرئيس المباشر - حتى يتصرف به
كيف يشاء , المال مال الدولة ، وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع , وأنه
يريد الخلاص , والخلاص لا أقول يرده إلى الدائرة ؛ لأنه ستكون هناك مشاكل , إلا إذا
علم أنه إذا رده إلى الدائرة صارت المحاكمة على رئيسه , فهذا لا بأس , أنا أحب أن
مثل هؤلاء الرؤساء الذين يعملون مثل هذه الأعمال أنه يبين أمرهم حتى يتخذ أمامهم
الإجراءات اللازمة , أما التلاعب : فلا يجوز ؛ فهذه أمانة .
فأقول لهذا الأخ : اجعل الدراهم هذه في مسجد ؛ لأن المسجد مما يلزم الدولة بناؤه ,
أو ما أشبه ذلك من مصالح المسلمين , وتبرأ بذلك ذمته , وإنني بهذه المناسبة : أحذر
الرؤساء ، والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل , وأقول : اتقوا الله فيما وليتم
عليه , واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين , لا تطعموهم ما لا يحل لهم
, ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق"
انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 114 / السؤال 15 ) .
فالواجب عليكم التوبة من الفعل ، ورد المال لأهله ، فإن عجزتم فيلزمكم الصدقة به في
وجوه الخير .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 46645
) .
والله أعلم