ما المقصود بـ " محارم الله " ؟
ما المقصود بمحارم الله ، وما هو انتهاك محارم الله الواردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله ! صفهم لنا ، جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم . قال : أما إنهم إخوانكم ، ومن جلدتكم ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )
هل المقصود بانتهاك محارم الله الزنا ، وهل انتهاك محارم الله يستلزم الحد عملا بقول الله تعالى : ( والحرمات قصاص ) ؟
هل من ينتهك محارم الله ومات ولم يتب جزاؤه النار ؟
هل الخلوة والوقوع بالفاحشة هي انتهاك لمحارم الله ؟
هل الشخص الذي لا يغض البصر هو منتهك لمحارم الله ؟
وهل المرأة غير المتحجبة والمبتذلة في لبسها والمتعطرة التي تفتن شباب المسلمين هي منتهكه لمحارم الله ؟
هل انتهاك محارم الله المقصود به الخيانة الزوجية أخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد برئت منها ذمة الله ورسوله ) وقوله أيضا : ( أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله ) ؟
هل من ينتهك محارم الله هو خائن لله وللرسول وللأمانة ؟
هل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) المقصود به هم الأقارب فقط ، أم أنه مصطلح عام يشمل المسلم والكافر ؟
هل محارم الله هي اقتراف السيئات وعدم التناهي عنها ، وهذا نجده في قول الله تعالى :
( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ؟
هل محارم الله اتباع الشهوات وترك العبادات ، وهذا نجده في قول الله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا )
الجواب
الحمد لله.
محارم الله : هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر ، كالنظر والاختلاط
والتبرج المحرم ، ومثله الزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة والغيبة والنميمة ،
ونقض ما أمر الله بالوفاء به ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ؛ فهو لفظ عام تدخل فيه
المعاصي بجميع أنواعها . قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ
اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ
يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ
الدَّارِ ) الرعد:25
.
وقد جاء استعمال لفظ " محارم الله " في أحاديث كثيرة ، منها :
ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2328) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
( مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ
بِيَدِهِ ، وَلَا امْرَأَةً ، وَلَا خَادِمًا ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلَّا
أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ )
ومنها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (4/182) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ
الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ :
( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ
سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ
، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ! ادْخُلُوا
الصِّرَاطَ جَمِيعًا ، وَلَا تَتَفَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ
الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ :
وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، وَالصِّرَاطُ
الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَبْوَابُ
الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ
الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ
اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ) .
صححه الحاكم في "المستدرك" (1/144) على شرط
مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح
الجامع" (3887) .
وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ
مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ
اللهِ !
فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ :
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ
تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ
لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ،
فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ ) .
رواه أحمد (2/310) والترمذي (2305) والطبراني في "الأوسط" (7/125) وغيرهم من طريق
جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة .
قال الطبراني : " لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا أبو طارق ، تفرد به جعفر بن
سليمان " انتهى .
وقال الترمذي : " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، والحسن لم
يسمع عن أبي هريرة شيئا ، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا : لم
يسمع الحسن من أبي هريرة ، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله ، ولم
يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "
انتهى
.
وفيه علة أخرى هي جهالة أبي طارق السعدي ، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تجريح عن أحد من
أهل العلم ، فقال فيه الذهبي في "الميزان" (4/540) : " لا يعرف "
انتهى
.
ولبعض جمل هذا الحديث شواهد اقتضت تصحيح الحديث عند بعض أهل العلم ، كالشيخ
الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (برقم/930)، غير أن جملة الشاهد وهي ( اتق
المحارم تكن أعبد الناس ) لم يرد ما يشهد لها ، والله أعلم بالصواب .
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/161) :
" أي : احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك تكن أعبد الناس ، أي : مِن أعبدهم ،
لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض ، فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من
التبعات ، فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته ، فيصير ذلك المتقي من أكابر
العباد ، وقال الذهبي : هنا والله تسكب العبرات ، فيلزم أن يكون بصيرا بكل واجب
فيقوم به ، وعارفا بكل محرم فيجتنبه " انتهى بتصرف يسير .
وقد جاء في الكتاب الكريم من التحذير والترهيب من الوقوع في محارم الله ما يغني
ويكفي ،
يقول الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
البقرة/229
ويقول عز وجل : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ )
النساء/14
على أننا ننبه أخانا الكريم على أن حديث ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) ليس له
علاقة بالأقارب أو الأهل ، أو المسلم والكافر ؛ وإنما اختلط عليك المحارم المشار
إليها في هذه الأحاديث وأمثالها ، والتي يقصد بها : ما حرمه الله على عباده ،
والمحارم في باب النكاح ، كالأم والأخت ونحو ذلك ؛ وهذا لا علاقة له بما نحن فيه .
والله تعالى أعلم .