تفسير قوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا )
ما معنى الآية الكريمة : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) ، فكيف يسأل الرسول الرسل الذين من قبله ؟
الجواب
الحمد لله.
هذه الآية في سورة الزخرف يقول الله عز وجل فيها : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً
يُعْبَدُونَ ) رقم/45
.
وظاهرها – كما يبدو - أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الرسل الذين بعثوا قبله
عن التوحيد ، فاستشكل العلماء ذلك إذ كيف يأمره الله بسؤالهم مع الانقطاع الزمني
الظاهر بينه وبينهم ، فكانت تفسيراتهم على عدة أقوال :
القول الأول : المقصود أمره بسؤال الرسل والأنبياء الذين صلى بهم ليلة الإسراء .
نقل هذا ابن جرير الطبري في "تفسيره" (21/611) عن ابن عباس ، وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم ، وعزاه القرطبي إلى سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من التابعين ثم قال في
"الجامع لأحكام القرآن" (16/95) : " هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية "
انتهى
.
القول الثاني : المقصود أن يسأل الأمم التي أرسل إليها الأنبياء من قبله ، وليس
سؤال الرسل أنفسهم .
قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/230) : " قوله : ( وَاسْأَلْ مَنْ
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ
آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) ، أي : جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة
الله وحده لا شريك له ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد ، كقوله : ( وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ ) النحل/36 .
قال مجاهد : في قراءة عبد الله بن مسعود : " واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا "
، وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود ، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة "
انتهى .
قال ابن جرير الطبري في تفسيره (21/612-613) :
" وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك قول من قال : عنى به : سل مؤمني أهل الكتابين
.
فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يقال : سل الرسل ، فيكون معناه سل المؤمنين بهم
وبكتابهم ؟
قيل : جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم ،
فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم ، إذا صحَّ ، بمعنى خبرهم ، والمسألة عما جاءوا
به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول من أهل العلم بهم والصدق عليهم ، وذلك نظير أمر
الله جلّ ثناؤه إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول ، يقول : ( فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) ، ومعلوم أن
معنى ذلك : فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول
.
وكذلك قوله : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) إنما
معناه : فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل ، فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا ،
فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب ، إذ كان معلوما ما معناه "
انتهى .
وهناك أقوال أخرى غير قوية يمكن مراجعتها في "تفسير القرطبي" (16/96) .
والله أعلم .