الحمد لله.
أولا :
يجوز أن تتصدقي عن والدك صدقة مقطوعة ، أو صدقة جارية وهي الوقف ، بأن تجعلي المال في بناء مسجد أو مبرد مياه أو في طباعة مصاحف أو كتب علم ونحو ذلك من الأمور التي تبقى ، فيلحقه الأجر ما بقيت ، وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
وإذا كان زوجك يعطيك مصروفا خاصا بك ، بحيث يصير ملكا لك ، تتصرفين فيه كما تحبين ، فلك أن تتصدقي من هذا المال ، لأنه مالك شرعا .
وإذا كان المصروف إنما هو للإعاشة والنفقة ، وما يفيض منه يبقى على ملك الزوج ، فحينئذ إن أذن لك في الصدقة أو في أخذ المال إذنا صريحا ، أو علمت من خلقه وحاله رضاه بالصدقة من هذا المصروف ، فلا حرج عليك ، ولك وله الأجر إن شاء الله .
وقد روى البخاري (1425) ومسلم (1024) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا ، وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا اكْتَسَبَ ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) .
وأما إذا لم يأذن لك ، أو علمت من حاله أنه لا يرضى بهذا التصرف ، فلا يجوز لك أن تتصدقي من ماله إلا بإذنه ؛ لما روى أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلا الطَّعَامَ ؟ قَالَ : ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
فالحديث الأول محمول على التصدق بالأمر اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه ، أو مع العلم بأن الزوج لا يمنع منه . والحديث الثاني محمول على التصدق بالأمر الكثير ، أو مع العلم بكراهة الزوج لذلك ومنعه .
وإذا حصل الشك وعدم الجزم بموقف الزوج من التبرع ، لزم استئذانه ، لأن الأصل عدم التصرف في مال الغير إلا بإذنه .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/81) : "الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه ، إلا ما كان يسيرا قد جرت العادة به ، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها والأجر بينهما ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا) متفق عليه " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (47705) .
والله أعلم .