الحمد لله.
لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا أذن لها بذلك ، وهذا الإذن قد يكون لفظياً ( بالكلام ) كما لو قال لها : لك أن تتصدقي من مالي بكذا أو بما شئت.
وقد يكون الإذن عرفياً ، بمعنى أنه قد جَرَت عادة الناس الرضى بهذا ، أو تعلم من خُلُق زوجها أنه يرضى بهذا ولا يمنعه .
فلا حرج عليها في هذه الحال أن تتصدق من مال زوجها ، ولها أجر الصدقة ، ولزوجها أيضاً .
أما إذا منعها ، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذ الصدقة من ماله بشيء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 4 / 301 ) :
"وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ , بِغَيْرِ إذْنِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ; إحْدَاهُمَا , الْجَوَازُ ; لأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا , غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , كَانَ لَهَا أَجْرُهَا , وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ) . وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا .
وَعَنْ أَسْمَاءَ , أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ ؟ فَقَالَ : ( ارْضَخِي مَا اسْتطَعْتِ ) والرضخ هو العطاء . وفي رواية للبخاري : قال : (تَصَدَّقِي) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَلأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ , وَطِيبُ النَّفْسِ , فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإِذْنِ .
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة , لا يَجُوزُ . . . . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ . . .
فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ , وَقَالَ : لا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ , وَلا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ , وَلا كَثِيرٍ . لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ اهـ بتصرف واختصار .
ويدل على عدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه ما رواه أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلا الطَّعَامَ ؟ قَالَ : ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
( إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا ) أي الإذن الصريح ، أو بدلالة الحال . قاله في عون المعبود .
وسئلت اللجنة الدائمة عن امرأة تتصدق من مال زوجها بدون إذنه
فأجابت : " الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به ، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها ، والأجر بينهما ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : .. ثم ذكرت حديث عائشة المتقدّم " اهـ .
فتاوى اللجنة الدائمة (10/81)
وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله : هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها ؟
فأجاب : " من المعلوم أن مال الزوج للزوج ، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه ، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها ، أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها ، فإن لم يأذن فإنه لا يحل له أن تتصدق بشيء ، لأنه ماله ، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " اهـ .
مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/472)
والله أعلم .
تعليق