حكم التسمي بعبد القديم
أرغب في معرفة مدى جواز التسمية بعبد القديم ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
القديم ليس من أسماء الله تعالى ، لعدم وروده في الكتاب أو السنة ، وأسماء الله
تعالى توقيفية ، فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه أو بما سماه به رسوله صلى الله عليه
وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "فهذا اللفظ لا يوجد لا في كتاب الله ولا في
سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل ولا جاء اسم القديم في أسماء الله تعالى ، وإن
كان من أسمائه الأول " انتهى من "منهاج
السنة" (2/68).
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله : " وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى "
القديم " ، وليس هو من أسماء الله تعالى الحسنى ، فإن القديم في لغة العرب التي نزل
بها القرآن : هو المتقدّم على غيره ، فيقال : هذا قديم ، للعتيق ، وهذا حديث ،
للجديد . ولم يستعمل هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره ، لا فيما لم يسبقه عدم ،
كما قال تعالى : ( حتى عاد كالعرجون القديم ) . والعرجون القديم : الذي يبقى إلى
حين وجود العرجون الثاني ، فإذا وجد الحديث قيل للأول : قديم ... وأما إدخال "
القديم " في أسماء الله - تعالى- فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام . وقد أنكر ذلك
كثير من السلف والخلف ، منهم ابن حزم . ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدّم
، فإن ما يقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره . لكن أسماء الله تعالى هي
الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به ، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص
بالتقدم على الحوادث كلها ، فلا يكون من الأسماء الحسنى . وجاء الشرع باسمه " الأول
" . وهو أحسن من " القديم " ؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له ، بخلاف
القديم ، والله تعالى له الأسماء الحسنى"
انتهى من "شرح الطحاوية" ص 152
ومقصوده أن أسماءه سبحانه كلها حسنى كما قال : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180
والحسنى : تأنيث الأحسن ، أي أسماؤه بالغة في الحسن غايته ، لاشتمالها على أكمل
الأوصاف ، فلا نقص فيها بوجه من الوجوه .
والقديم في اللغة : المتقدم على غيره ، كما في قوله سبحانه : ( وَالْقَمَرَ
قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )
يس/39
، ولا يلزم من القديم المتقدم على غيره أن يكون الأول . والله سبحانه هو الأول الذي
ليس قبله شيء ، كما قال سبحانه : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ
وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
الحديد/3
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ
شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ )
رواه مسلم (2713).
والحاصل أن القديم ليس من أسماء الله تعالى ، لكن يصح إطلاقه على الله من باب الخبر
لا من باب التسمية ، لأن باب الأخبار أوسع من باب الأسماء والصفات .
قال ابن القيم رحمه الله: " ويجب أن تعلم هنا أموراً :
أحدها : أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى ، أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته
، كالشيء والموجود والقائم بنفسه .
فإنه يخبر به عنه ، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ".
ثم قال: " السابع : أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه
من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه . فهذا
فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم
يرد به السمع " انتهى من "بدائع الفوائد"
(1/132).
ثانيا :
اختلف في التعبيد بالأسماء التي لم تثبت لله تعالى ، كالستار والناصر والمنعم
والمغني مما شاع إطلاقه على الله تعالى ، فمن نظر إلى عدم ثبوتها منع من التعبيد
بها ، ومن نظر إلى كونها عند الإطلاق تنصرف إلى الله تعالى ، جوز ذلك ، لا سيما إذا
كان الإنسان قد سمي به ، والأولى الاقتصار في التعبيد على الأسماء الثابتة .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم التعبيد بأسماء لم يثبت كونها من أسماء
الله الحسنى، مثل:( عبد الستار )،( عبد المغني )،( عبد الهادي )،( عبد المنعم ) ...
ونحوها ؟ وهل يلزم تغييرها ؟
فأجاب : الصحيح أن ما دل من الأسماء بإطلاق على الله تعالى جاز التعبيد به ،
كالمذكورة ، ولا يلزم تغييره ، ومثلها : عبد الناصر " انتهى من "ثمرات التدوين"
للدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي.
والقديم لا يدل بإطلاق على الله تعالى ، بل يحتمل أن يراد به شيء آخر ، فلا يظهر
لنا جواز التعبيد به ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره في الأسماء التي يسمى بها ،
أو ذكر أن التسمي بذلك مما له أصل في عمل المسلمين .
والله أعلم .