تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
أرجو تفسير قوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
الجواب
الحمد لله.
"هذه الآية عظيمة ، تدل على : أن العلماء ، وهم العلماء بالله وبدينه وبكتابه
العظيم وسنة رسوله الكريم ، هؤلاء هم أكمل الناس خشية لله ، وأكملهم تقوى لله وطاعة
له سبحانه ، وعلى رأسهم : الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
فمعنى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ) أي الخشية الكاملة من عباده : العلماء ، وهم
الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه سبحانه وتعالى ، وتبصروا في شريعته ،
وآمنوا بما عنده من النعيم لمن اتقاه ، وما عنده من العذاب لمن عصاه وخالف أمره ،
فهم لكمال علمهم بالله ، وكمال معرفتهم بالحق كانوا أشد الناس خشية لله ، وأكثر
الناس خوفا من الله وتعظيما له سبحانه وتعالى ، وليس معنى الآية : أنه لا يخشى الله
إلا العلماء ، فإن كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يخشى الله عز وجل ويخافه سبحانه
، لكن الخوف متفاوت ، ليسوا على حد سواء ، فكلما كان المؤمن أعلم بالله وأفقه في
دينه كان خوفه من الله أكثر وخشيته أكمل ، وهكذا المؤمنة كلما كانت أعلم بالله
وأعلم بصفاته وعظيم حقه كان خوفها من الله أعظم ، وكانت خشيتها لله أكمل من غيرها ،
وكلما قَلَّ العلم وقَلَّت البصيرة قَلَّ الخوف من الله وقَلَّت الخشية له سبحانه ،
فالناس متفاوتون في هذا حتى العلماء متفاوتون ، فكلما كان العالم أعلم بالله ،
وكلما كان العالم أقوم بحقه وبدينه وأعلم بأسمائه وصفاته كانت خشيته لله أكمل ممن
دونه في هذه الصفات ، وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله ، ولكن جميع المؤمنين
والمؤمنات كلهم يخشون الله سبحانه وتعالى على حسب علمهم ودرجاتهم في الإيمان ؛
ولهذا يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة/7، 8 ، وقال تعالى : (إِنَّ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)
الملك/12 ، وقال تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/46 ،
فهم مأجورون على خشيتهم لله ، وإن كانوا غير علماء وكانوا من العامة ، لكن كمال
الخشية يكون للعلماء ؛ لكمال بصيرتهم وكمال علمهم بالله ، فتكون خشيتهم لله أعظم ؛
وبهذا يتضح معنى الآية ويزول ما يتوهم بعض الناس من الإشكال في معناها، والله ولي
التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/268-270) .