الحمد لله.
أولا :
ينبغي على كل مصلّ أن يحرص على عدم إيذاء أخيه المسلم وشغله في الصلاة كأن يضيّق عليه في المكان ، أو يكثر الحركة فيشغله في صلاته ونحو ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" التورُّك في الصلاة معروف ، أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن .
وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً ، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه .
فهنا اجتمع عندنا شيئان : فعل سنة ، ودفع أذى عن المسلم ، فأيهما أولى : فعل السنة ، أو دفع الأذى ؟ الأَوْلى دفع الأذى ؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة .
فهذه القاعدة انتبه لها : تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية ، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك ، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ ، فإن الله تعالى يثيبه " انتهى مختصرا .
"لقاء الباب المفتوح" (2/38) .
كما أنه ينبغي على كل مصل التغاضي عن كل ما يمكن التغاضي عنه لأخيه المسلم ، وخاصة إذا صفوا للصلاة ، فلا ينبغي أبدا أن توجد دواخل في النفوس من شأنها إفساد العلائق ، وإشغال المصلى ، وإيغار النفوس بلا داع أحيانا .
فعليك يا أخي أن لا تشغل نفسك بفعل أخيك ، ولعله لا يقصد إيذاءً ، ولا يضمر أمرا ، وإذا احتاج الأمر في نظرك إلى نصحه ، فإنه ينبغي نصحه بالمعروف ، فقد يفوته المسلك غير اللائق ، فعليك تنبيهه وإرشاده .
وتأمل قول أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ : ( اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) رواه مسلم (432) .
تأمل كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عدم اختلاف القلوب وهم في الصلاة ؟
ثانيا :
أما قولك : هل هناك فضل يختص بمن يصلي خلف الإمام مباشرة ؟
فالجواب : نعم وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى) يدل على أن القرب من الإمام أفضل من البعد عنه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" المشروع للمسلم إذا أتى المسجد أن يتقدم إلى الصف الأول ، وأن يحرص على القرب من الإمام ، ومتى كمل الصف الأول ، شرع للمسلم التقدم للصف الثاني وهكذا " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/206) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : أرجو توضيح فضل القرب من الإمام في الصف الأول والصلاة خلفه مباشرة .
فأجاب :
"يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) معنى ذلك : أنه لو لم يمكن الحصول على الصف الأول إلا بالقرعة لفعلوها ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم).
فالقرب من الإمام في الصف الأول يكون به قدوة للآخرين ، لأنهم يأتمون بالإمام مباشرة ، ويرون الإمام مباشرة ، فيأتمون به ، وهذا أفضل ممن يقتدي بمن خلف الإمام من الصفوف ، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم : (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فهذا يدل على أنه ينبغي أن يتقدم أهل الفضل وأهل العلم ليكونوا قريبين من الإمام ، فيفتحون عليه إذا احتاج لمن يفتح عليه بالقراءة ، أو نابه شيء في الصلاة استطاعوا أن يساعدوه ، وأن يستخلف من يكمل الصلاة لو احتاج إلى الاستخلاف ، فالتقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فيه فضائل عظيمة ، وفيه خيرات ، وفيه دلالة على مبادرة الإنسان إلى الخير ورغبته فيه ، وأنه من السابقين إلى فعل الخير، أما التأخر فإنه يدل على الكسل وعدم الرغبة في الخير ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) ولأن التأخر والتكاسل من صفات المنافقين ، قال تعالى : (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) سورة التوبة /54 . أما التقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فهذا دليل على الرغبة في الخير والبراءة من النفاق" انتهى .
ثالثاً :
قولك هل يدخل تصرف هذا الشخص في عدم احترام النظام الذي حرص عليه ديننا الإسلامي؟
فالجواب : لعله ليس من هذا القبيل ، ثم هو مبادر في الأصل إلى التبكير إلى المسجد ، فلا يحتاج إلا إلى من ينصحه بالتزام الصف الأول ، والجلوس خلف الإمام لو شاء ، دون أن يضيق على أحد أو يزحمه .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية .