منذ ما يقرب من عام وأنا أدعو الله عز وجل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقط، أي جعلت دعائي كله صلاة وسلاما على رسول الله صلى الله عليه وسلم باستثناء الأذكار والأدعية الموظفة كالتي في أذكار الصباح والمساء وقنوت الوتر وغيرها فأذكر فيها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد سماعي لشرح حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء ربع الليل قام فقال: أيها الناس اذكروا الله، أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. فقال أبي بن كعب: فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فما أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قلت: الربع؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير. قلت: النصف؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير. قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: إذا يكفي همك ويغفر ذنبك الراوي: أبي بن كعب – خلاصة الدرجة: حسن – المحدث: ابن حجر العسقلاني – المصدر: موافقة الخبر الخبر – الصفحة أو الرقم: 2/340 وحديث 71475 – أن رجلا قال يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي عليك قال نعم إن شئت. قال: الثلثين؟ قال: نعم. قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله: إذا يكفيك الله ما همك من أمر دنياك وآخرتك. الراوي: حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري – خلاصة الدرجة: حسن لغيره – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 1671 وكان من الشرح ومعنى أجعل لك صلاتي كلها أي لا تدعو لنفسك بشيء أبدا ولكن جعلت دعاءك كله صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأي فضيلتكم وجزاكم الله عنا خيرا؟
مقصود السائل: يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به، وأستجلب به الخير، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء؟ قال: ما شئت. فلما انتهى إلى قوله: (أجعل لك صلاتي كلها) قال: إذا تكفى همك ويغفر ذنبك.
الحمد لله.
هذا الحديث رواه الترمذي (2457) وأحمد (20736) وابن أبي شيبة في “المصنف” (8706) وعبد بن حميد في “المسند” (170) والبيهقي في “الشعب” (1579).
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ قُلْتُ الرُبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.
قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وحسنه المنذري في (الترغيب والترهيب)، وكذا حسنه الحافظ في “الفتح” (11/168)، وأشار البيهقي في “الشعب” (2/215) إلى تقويته، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (1670) وغيره.
قال الملا علي القاري:
“أجعل لك صلاتي كلها أي أصرف بصلاتي عليك جميع الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي. تكفى همك قال الأبهري: أي إذا صرفت جميع زمان دعائك في الصلاة عليّ كفيت ما يهمك.
وقال التوربشتي: معنى الحديث كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي.
فقال: إذن تكفى همك أي ما أهمك من أمر دينك ودنياك ؛ وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم الرسول، والاشتغال بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه. انتهى باختصار. “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (4/16- 17).
وقال ابن علان البكري رحمه الله:
” ووجه كفاية المهمات بصرف ذلك الزمن إلى الصلاة عليه: أنها مشتملة على امتثال أمر اللّه تعالى، وعلى ذكره وتعظيمه، وتعظيم رسوله، ففي الحقيقة لم يفت بذلك الصرف شيء على المصلي، بل حصل له بتعرضه بذلك الثناء الأعظم أفضل مما كان يدعو به لنفسه، وحصل له مع ذلك صلاة اللّه وملائكته عليه عشراً، مع ما انضم لذلك من الثواب الذي لا يوازيه ثواب، فأيّ فوائد أعظم من هذه الفوائد؟ ومتى يظفر المتعبد بمثلها، فضلا عن أنفَسَ منها؟ وأنى يوازي دعاؤه لنفسه واحدة من تلك الفضائل التي ليس لها مماثل؟ ” انتهى بتصرف. “دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين” (5/6-7).
وقال الشوكاني رحمه الله:
” قوله: إذن تكفى همك ويغفر ذنبك في هاتين الخصلتين جماع خير الدنيا والآخرة ؛ فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها ؛ لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن كانت يسيرة. ومن غفر الله ذنبه سلم من محن الآخرة ؛ لأنه لا يوبق العبد فيها إلا ذنوبه ” انتهى. “تحفة الذاكرين” (ص 45).
وسئل علماء اللجنة:
قول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: أفأجعل لك صلاتي كلها؟
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(إذا تكفى همك… إلى آخر الحديث. ما معنى: أفأجعل صلاتي لك كلها؟
فأجابوا: “المراد بالصلاة هنا: الدعاء، ومعنى الحديث: الحث على الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من الأجر العظيم.” انتهى.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (24/156 – 157).
وينبغي أن تعلم أن الحديث لا يعني منع الإنسان من الدعاء لنفسه مطلقا، والاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مخالف لهديه العملي، وإرشاده إلى الأدعية المتنوعة، في الأحوال المختلفة، كأدعية الصلاة، والصباح والمساء، والاستخارة، ونحو ذلك.
قال علماء اللجنة الدائمة:
” هذا الحديث لا ينافي أن يدعو الإنسان ربه ويسأله أموره كلها بالأدعية المشروعة، وأن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بين الأمرين ” انتهى. “فتاوى اللجنة الدائمة” (24/159).
ولعل المراد بالحديث: أن كان لأبي بن كعب دعاء معين، يدعو به، فسأل عن استبداله بالصلاة، وإلى ذلك يشير قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ؛ فإنه كلما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: آمين ولك بمثله. فدعاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (1/193).
وقال شيخ الإسلام أيضا:
” مقصود السائل: يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به، وأستجلب به الخير، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء؟ قال: ما شئت. فلما انتهى إلى قوله: أجعل لك صلاتي كلها قال: إذا تكفى همك ويغفر ذنبك.
وفي الرواية الأخرى: إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك.
وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (1/349-350).
وهذا كله بتقدير صحة الحديث، وقد أشرنا إلى من صححه من أهل العلم ؛ وإلا فإن راوي الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل: أكثر كلام أئمة الحديث على تضعيفه، وعدم الاحتجاج بحديثه، حتى قال عنه الإمام أحمد ـ في رواية حنبل ـ: ” منكر الحديث “، وقال يعقوب الجوزجاني: ” عامة ما يرويه غريب “.
ينطر: “تهذيب الكمال” (16/80) وما بعدها.
وإذا قدر أن حديثه في مرتبة الحسن، كما ذهب إليه بعض أهل العلم، فلا يظهر أن حاله يحتمل التفرد بمثل هذا المتن ؛ مع ما فيه من قوله: ” أجعل لك صلاتي كلها” ؛ فهو بظاهره مخالف لما رغبت فيه الشريعة، في عامة مواردها، من الإكثار من الدعاء، بشتى أنواعه، في الصلاة وخارجها، مطلقا كان هذا الدعاء، أو مقيدا بوقت أو حال. ثم هو ـ بهذا الظاهر أيضا ـ مخالف للهدي العملي للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ومن بعدهم من السلف ؛ فلا يعلم أن أحدا ترك الدعاء، في الصلاة أو خارج، بما يحتاجه من خير الدنيا والآخرة، اكتفاء بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: (88102، 174685، 342240، 470349).
والله أعلم.