الحمد لله.
أولاً :
الصلاة على النبي من أفضل العبادات
لا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل العبادات وأجل القربات ، فقد أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين ، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب/56 .
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها وبين مضاعفة أجرها ، وأنها سبب لمغفرة الذنوب ، وقضاء الحاجات ، فقال عليه الصلاة والسلام : مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ رواه النسائي (1297) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح سنن النسائي " .
وقد سبق بيان فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار منها في عدة أجوبة منها:(128455).
ثانيًا:
الأحاديث الواردة في أفضل الأعمال وأحبها إلى الله
جاءت أحاديث صريحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، تذكر أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى ، منها :
1- ما رواه البخاري (527)، ومسلم (85) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : "سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
2- ما روى النسائي (2222)- واللفظ له –، وأحمد(22149)، وابن خزيمة (1893) ، وابن حبان (3425) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : " أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ .
3- ما روى أحمد (17027) عن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وصححه محققو المسند .
4- ما روى البخاري (11)، ومسلم (42) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ ، وَيَدِهِ " .
5- ما روى البخاري (2785) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ ؟ قَالَ: لاَ أَجِدُهُ ، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ ؟ ، قَالَ : وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ؟ ".
الجمع بين الأحاديث الواردة في الفضل العظيم لعمل معين وبين أحاديث تنص على أفضل الأعمال
ولذلك حرص العلماء على الجمع بين هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي اختلفت فيها أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى .
وكان من أفضل ما قيل في الجمع بينها : أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال أو الأشخاص أو الأوقات ، فمن الأشخاص من يكون الصيام أفضل له ، ومنهم من يكون الجهاد أفضل له ، ومن الأوقات والأحوال ما يكون فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والصدقة أفضل من غيرها ..
قال ابن القيم رحمه الله : " قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره :
فالغني الذى له مال كثير ، ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه : فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذى يهاب العدوُ سطوتَه : وقوفُه في الصف ساعة ، وجهادُه أعداءَ الله : أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .
والعالِمُ الذى قد عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطتُه للناس وتعليمُهم ونصحُهم في دينهم: أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.
وولىُّ الأمر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسُه ساعةً للنظر في المظالم ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وإقامة الحدود ، ونصر المحق ، وقمع المبطل : أفضل من عبادة سنين من غيره.
ومن غلبت عليه شهوة النساء : فصومُه ـ له ـ أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته .
وتأمل تولية النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله، وترك تولية أبى ذر، بل قال له: (إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم) .
وأمر غيره بالصيام وقال: (عليك بالصوم فإنه لا عِدل له) ، وأمر آخر بأن لا يغضب ، وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله " انتهى من "عدة الصابرين" (ص 114-115) .
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 9) : " ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال :
أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين؛ بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم ، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره ، فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال ؛ لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن أدائها ، وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل " انتهى.
أما ما ذُكر عن أبي الليث السمرقندي رحمه الله :
فإنه لم يجزم به وإنما نقله عمن قاله ؛ فقد قال رحمه الله في "تفسيره" (3/ 72) : " ويقال : ليس شيء من العبادات أفضل من الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم ؛ لأن سائر العبادات أمر الله تعالى بها عباده . وأما الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم فقد صلى عليه أولاً هو بنفسه ، وأمر الملائكة بذلك ، ثم أمر العباد بذلك " انتهى .
ثم إن القول بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات – هكذا على الإطلاق- ليس صوابا ، ففي العبادات ما هو فرض ، ومنها ما هو من أركان الإسلام ، فلا تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم –وهي تطوع في غالب أحوالها- أفضل من الفرائض .
والحاصل :
أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست أفضل العبادات على الإطلاق ، ولكن قد تكون أفضل العبادات في أوقات وأحوال معينة ، ومن ذلك : أنها من أفضل العبادات يوم الجمعة ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار منها ، ومنها : أنها أفضل الأعمال لمن سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنها أنها من أفضل الذكر خاصة لمن كان مهمومًا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي رضي الله عنه : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ .
والله أعلم.
تعليق