الحمد لله.
ما يدفعه الابن لوالده يحتمل وجوهاً عدة :
الأول :
أن يكون على سبيل الهبة ، فلا يجوز له الرجوع والمطالبة به ؛ لما روى أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ . وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
الثاني :
أن يكون على سبيل القرض ، فيجوز له المطالبة به في حياة الوالد وبعد موته .
الثالث :
أن يأخذه الوالد منه لحاجته إليه ، فيصير ملكاً للوالد ، ولا يحل للابن المطالبة به ؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا ، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي ، فَقَالَ : (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2/142) من حديث جابر ، وأحمد (6902) من حديث عبد الله بن عمرو .
والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي . قَالَ : (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ) إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا) .
وله طرق وشواهد يصح بها .
انظر : "فتح الباري" (5/211) ، و "نصب الراية" (3/337) .
وروى الحاكم (2/284) والبيهقي (7/480) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أولادكم هبة الله لكم (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564) .
وهذا الأخذ مقيد بشروط بينها أهل العلم :
أحدها : أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته .
الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر .
الثالث : أن يكون الأب محتاجاً للمال ، فلا يجوز له أن يأخذ ما لا يحتاجه عند جمهور الفقهاء خلافاً للحنابلة .
وينظر جواب السؤال رقم (104298) ورقم (9594) .
وما ذكرت من مطالبة أخيك للوالد ، ومطالبة الوالد له بإيجار الشقة ، يخرج الاحتمال الأول وهو احتمال الهبة المحضة .
وعليه ؛ فإن كان الأمر قد تم على سبيل القرض ، وأن والدك قد جعل أجرة السكن في مقابل ذلك ، وأن أخاك يرى هذه الأجرة دون ما دفعه من مال ، فله أن يأخذ ما زاد على إيجار السكن ، فيُنظر كم دفع من مال ، وكم تساوي أجرة الشقة خلال هذه السنوات ، فيرد إليه ما زاد عن الأجرة . والمقاصة هنا بين (المال الذي دفعه) وبين الأجرة ، دون نظر إلى قيمة الأرض ، فإنه إنما دفع مالا ، ولم يشتر أرضاً .
وليس له في هذه الحال أن يحتج بكون بعض إخوانه قد سكنوا مثله بلا أجرة ، فقد يرى الأب حاجة بعض الأبناء فيخصهم بذلك .
وإن كان الوالد قد أخذ هذا المال عند حاجته إليه دون أن يضر بأخيك ، فقد صار المال ملكا له ، وليس لأخيك المطالبة به لما تقدم من الحديث .
والله أعلم .