الحمد لله.
أولا :
للأب أن يأخذ من مال ولده ، ما احتاج إليه ، إذا كان لا يضر بالابن ، وذلك لما روى ابن أبو داود (3530) وأحمد (6640) من حديث عبد الله بن عمرو أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا ، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي . فَقَالَ: ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ). صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ومعنى الحديث ـ كما قال الخطابي رحمه الله ـ : أن هذا الرجل كان يحتاج المال من أجل النفقة وكان مال الابن قليلاً بحيث تستأصله النفقة وتأتي عليه كله ، فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم في ترك النفقة على أبيه . وانظر : "عون المعبود" .
ويشترط أن يكون الأب بحاجة إلى هذا المال ، عند جمهور الفقهاء خلافا للحنابلة ؛ لما روى الحاكم ( 2 / 284 ) والبيهقي ( 7 / 480 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أولادكم هبة الله لكم يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها ) . صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2564 ).
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيرا كان الولد أو كبيرا , بشرطين :
أحدهما : أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته .
الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر . وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى .
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا ) متفقعليه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ) رواه الدارقطني ؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه " انتهى من "المغني" (5/395) باختصار .
فإذا احتاج الأب للمال فله أن يأخذ من مال ولده ، فينفق على نفسه وعلى من يعول ، بشرط ألا يضر بالابن وألا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته ، كسيارته التي يركبها ونحو ذلك . وانظر جواب السؤال رقم (9594) .
ثانيا :
إذا لم يكن لديك مال فلا يلزمك الاقتراض ، ولك أن تقول لوالدك : إنه لا مال لديك الآن ، أو أنك بحاجة إلى المال الموجود معك ، ولا يعد هذا عصيانا له .
ولا يجوز أن تقترض من البنك الربوي بحال ، لما جاء من لعن آكل الربا وموكله ، ولا يجوز طاعة الأب فيما لو أمر بهذا الاقتراض ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
والحاصل : أن الأب إذا احتاج إلى المال لينفق منه أو يشتري به أثاثا للبيت ونحو ذلك ، جاز له أن يأخذ من مال أولاده ، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر عليهم ، وألا يأخذ ما تعلقت به حاجتهم ، فإذا لم يكن لديهم مال فائض فلا يلزمهم الاقتراض .
وينبغي أن يتعاون الإخوة في مساعدة من لم يتزوج منهم ، كلٌّ حسب استطاعته وقدرته .
والله أعلم .
تعليق