الحمد لله.
أولاً :
مؤلف هذا الكتاب هو : عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري ، تاج الدين الفاكهاني ، ولد سنة (654هـ)، وتوفي سنة (734هـ) ، وقيل سنة (731هـ) ، تفقَّه على مذهب الإمام مالك ، وله عدة مصنفات منها الكتاب الذي سأل عنه السائل .
وهذا الكتاب عليه مؤاخذات كبيرة خطيرة ، تظهر باستعراض أبواب الكتاب .
فمن هذه المؤاخذات :
1- الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله ، وذلك بقوله :
من نور رب العرش كون نوره *** والناس في خلق التراب سواء
2- دعواه أن الأنبياء قد توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا حقق الله لهم مرادهم ، وذلك بقوله :
وبه توسل آدم من ذنبه *** وتشفعت بمقامه حواء
وبه توسل نوح في طوفانه *** وأجيب حين طغى عليه الماء
وبه دعا إدريس فارتفعت له *** عند الإجابة رتبة علياء
وبه استجيب دعا أيوب وقد *** أودى به عند المصاب بلاء
وبه نجا من بطن حوت يونس *** لما دعا وتجلت الظلماء
وبه تمكن يوسف في مصر *** من بعد ما أودت به الضراء
...
وبه استجارت مريم في حملها *** فأجاء عن لبس وزال عناء
وبسره عيسى توسل فانثنى *** من شأنه بين الورى الإحياء
ونحن نشهد أن هذا غلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذب ، فهذه أدعية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في القرآن الكريم ، ليس فيها حرف واحد يدل على توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، وبيان حالهم وافتقارهم إلى الله ، فآدم وحواء لما أذنبا قالا : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23 .
ويونس عليه السلام قال : (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) الأنبياء/87 .
وأيوب عليه السلام نادى ربه قائلاً : (أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/83 .
وموسى عليه السلام قال : (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص/24 .
وزكريا عليه السلام نادى ربه قائلاً : (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) الأنبياء/89 ، فأين توسل هؤلاء الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟!
وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في مدحه فقال : (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (3445) .
3- تجويزه الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد عقد الباب الحادي عشر ، بعنوان: "فيمن استغاث به عليه الصلاة والسلام فأغيث في القديم والحديث" .
وهذا صرفُ عبادةٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإعطاؤه خصائص الربوبية والألوهية ، فالاستغاثة بالأموات - وكذلك الاستغاثة بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله- شركٌ أكبر ، وعبادةٌ لغير الله .
فلا يجيب المضطرين ويكشف السوء إلا الله تعالى وحده ، قال الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62 .
وهذه هي أخطر المخالفات الشنيعة التي يقررها المؤلف في هذا الكتاب : جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في قبره بعد موته لقضاء الحاجات وكشف الكربات ، وهذا شرك أكبر يخرج صاحبه من الإسلام ، وقد عقد فصلا بعنوان : "استغاثة من لاذ بقبره واشتكى إليه بفقره وضرره" . وأورد فيه من حكايات وقصص الجهلة الذين وقعوا في الشرك (الأصغر والأكبر) من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، كما سرد مجموعة من القصص تحت فصل خاص بعنوان: "في استغاثة الأسرى ممن كان في أيدي الظلمة والكفار بالنبي المختار" .
وهكذا فقد تجاوز المؤلف سبيل القصد والاعتدال إلى الغلو ثم إلى ترويج الشرك الأكبر .
4- تضمن الكتاب مجموعة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها ، منها أحاديث كثيرة في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل : (لا صلاة لمن لم يصل علي) ، ومنها أحاديث في استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم التي أفرد لها بابا خاصا ، مثل حديث : (من حج ولم يزرني فقد جفاني) .
والخلاصة : أن الكتاب يشتمل على قدر كثير من البدع التي هي من وسائل الشرك ، بل وصل بعضها إلى الشرك الأكبر ، وعلى كثير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة ، والحكايات الباطلة التي لا يجوز الاستشهاد بمثلها .
ولهذا نرى أنه لا يجوز لمن ليس عنده علم شرعي يستطيع به التمييز بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، نرى أنه لا يجوز له القراءة في هذا الكتاب ، لأنه سيروج عنده ما فيه من الباطل .
ومن أراد كتاباً جامعاً في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأحكامها ، فعليه بكتاب "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام" صلى الله عليه وسلم ، لابن القيم رحمه الله .
والله أعلم .