الحمد لله.
أولاً : لا شك أن " تعدد الزوجات " من محاسن الشريعة الإسلامية ومفاخرها ، لما فيه من فوائد كثيرة ، وحكم جليلة ، ومصالح عظيمة راعت واقع المجتمع ، وعالجت مشكلاته .
ولا ريب أن من الحِكَم التي يحققها " تعدد الزوجات" : تقليص عدد المطلقات والأرامل والعوانس في المجتمع .
ولكن ذلك لا يعني قصر حُكم التعدد على المطلقات والأرامل ، بل التعدد مباح مطلقاً ، سواء كانت الزوجة الثانية بكراً أم ثيباً ، صغيرة أم كبيرة .
وقصر التعدد على هذا الصنف من النساء فيه قصور كبير ، فالأسباب الداعية للتعدد كثيرة جداً ، بل لكل حالة سببها الخاص بها ، فضلا عن كون التعدد تلبيةً لواقع الفطرة والحياة .
وليس على الرجل الراغب في التعدد من حرجٍ إذا اختار المرأة البكر الجميلة إذا كانت ذات خلق ودين .
والنصوص التي تحث على اختيار البكر من النساء تشمل الزوجة الأولى وغيرها .
وقوله تعالى : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) النساء/3 ، يدل على أن الإنسان يختار ما تطيب له نفسه من النساء ، وقد تطيبُ لرجلٍ البكرُ أو الجميلة ، ولآخر الثيب المطلقة أو الأرملة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء أي : ينبغي أن تختاروا منهن الطيبات في أنفسهن اللاتي تطيب لكم الحياة بالاتصال بهن ، الجامعات للدين والحسب والعقل والآداب الحسنة وغير ذلك من الأوصاف الداعية لنكاحهن ". انتهى من "تيسير اللطيف المنان"(1 / 232).
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي : " أي : من طبن لنفوسكم من جهة الجمال والحسن ، أو العقل ، أو الصلاح منهن ". انتهى من " محاسن التأويل" .
ولو فشى التعدد في المجتمع كما كان فاشياً في القرون الأولى لما سمعنا عن مشاكل الأرامل والمطلقات والعوانس ؛ أو لقلت هذه المشاكل ، لأن فشو التعدد سيقلل من عدد الأبكار وقد لا يجد الرجل أمامه إلا مطلقة أو أرملة .
وللوقوف على بعض حِكَم التعدد ينظر جواب السؤال (14022) .
ومع جواز ـ بل استحباب ـ اختيار الرجل للمرأة الجميلة البكر ، فإن له العدول عن ذلك لمصلحة ما ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أكثر زوجاته كن كبيرات في السن وثيبات ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج من أجل قضاء الوطر ، وإنما كان يتزوج من أجل حكم عظيمة ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (118102) .
فينبغي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وفي الوقت ذاته لا يُنكر على الرجل إن هو اختار الصغيرة أو الجميلة .
ثانياً : إباحة التعدد مقيدة بشرطين :
1- القدرة على العدل .
2- القدرة على الإنفاق .
ولذلك قال سبحانه وتعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ) . رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
وإذا كان هذا في الزوجة الواحدة ، فهو في حال التعدد آكد .
فمن كان غير قادر على العدل أو النفقة ، فليقتصر على زوجة واحدة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن .
فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة". انتهى " تيسير الكريم الرحمن" (1 / 163) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (26069) .
ثالثاً : من حق الزوجة على زوجها أن يؤمن لها بيتاً مستقلاً ، وليس له أن يسكنها مع زوجة أخرى في بيت واحد إلا برضاهما .
قال ابن قدامة : " وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً ؛ لأن عليهما ضرراً ، لما بينهما من العداوة والغيرة ، واجتماعهما يثير المخاصمة ... فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما ، فلهما المسامحة بتركه " انتهى من المغني "( 8/137 ) .
وينظر جواب السؤال (7653).
والله أعلم .