الأربعاء 12 جمادى الأولى 1446 - 13 نوفمبر 2024
العربية

لا تريد أن تسكن مع أهل زوجها

السؤال

أعيش مع أهل زوجي منذ 7 سنوات ولا أتوافق مع والد زوجي وطلبت من زوجي أن ننتقل من هذه الشقة وهذا الأمر يؤلمه جداً فإنه يقول إنه لا يمكن أن يعيش بدون والديه وأنا لا يمكنني أن أعيش مع والديه وأخيه الأصغر فهل ما أطلبه كثير ؟ وماذا يقول الإسلام في هذا الأمر أجيبوني بأسرع ما يمكن أرجوكم فأنا لا أتحمل وأريد أن يحيا زوجي معي في سعادة .

الجواب

الحمد لله.

أولا : لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة كما جاء عن عقبة بن عامر : " أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال : "  إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " . رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .

فلا يجوز لها الخلوة بأحد من أحمائها اللهم إلا إذا كانوا صغاراً لا يُخشى منهم ولا يُخشى عليهم .

ثانيا : يجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً يسترها عن عيون الناس ويحميها من البرد والحر بحيث تستكن وتستقر وتستقل به ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال مع مطبخ وبيت خلاء إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد ، وليس له أن يوجب عليها أن تأكل مع أحدٍ من أحمائها . وتوفير المسكن يكون على قدر طاقة الزوج بحيث يليق عُرفا بحال الزوجة ومستواها الاجتماعي .

أ. قال ابن حزم رحمه الله :

ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم [ سورة الطلاق / 6 ] . أ . هـ . " المحلى " ( 9/ 253 )  .

ب. وقال ابن قدامة رحمه الله :

ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى أسكنوهن … ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع . أ . هـ . " المغني " ( 9 / 237 ) .

ج. قال الكاساني رحمه الله :

ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربها ، فأبت ذلك عليه : فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا … ولكن لو أسكنها في بيت من الدار _ ( أي في غرفة ) _ وجعل لهذا البيت غِلقاً على حدة كفاها ذلك وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال أ.هـ "بدائع الصنائع "( 4 / 23 ).

د. قال ابن قدامة أيضاً :

وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً لأن عليهما ضرراً ، لما بينهما من العداوة والغيرة ، واجتماعهما يثير المخاصمة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى ( أي : جامعها ) أو ترى ذلك . فإن رضيتا بذلك ( أي بالسكن في مسكن واحد ) جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه . أ.هـ . " المغني " ( 8 /   137 ) .

وليس مراده رحمه الله أن يعاشر الواحدة تحت بصر الأخرى وسمعها الأخرى وإنما قصده بيان جواز سكنهما في بيت واحد ، بحيث يأتي كل واحدة منهما في ليلتها في مكان من المسكن لا تراهما الأخرى .

وإذا جعل كل زوجة في جناح من البيت فيه مكان للنوم والخلاء والطّبخ كان ذلك كافيا وكذلك لو جعل كلّ واحدة في دور مستقل أو شقة مستقلة .

قال الحصكفي رحمه الله - من الأحناف - : وكذا تجب لها السكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها بقدر حالهما كطعام وكسوة وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق ومراده لزوم كنيف (أي : بيت خلاء ) ومطبخ كفاها لحصول المقصود .أ.هـ.

وعلق ابن عابدين فقال : والمراد من ( الكنيف والمطبخ ) أي : بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت (أي : الغرفة ) أو في الدار لا يشاركهما فيهما أحد من أهل الدار .أ.هـ

"الدر المختار " ( 3 / 599 - 600 ) .

قلت : ومما يدل على أن المراد بالبيت : "الغرفة " قول الكاساني رحمه الله : ولو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا : إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر .أ.هـ .

"بدائع الصنائع " ( 4 / 34 ) . ) .

وعلى هذا فيجوز له أن يسكنك في غرفة من البيت يتبعها مرافقها إذا لم تكن هناك فتنة أو خلوة بأحد ممن لا تحرمين عليهم وكانوا في سن البلوغ ، وليس له أن يجبرك على العمل لهم في المنزل أو أن تأكلي وتشربي معهم ، وإذا استطاع أن يوفّر لك سكنا منفصلا عن سكن أهله تمام فهذا أحسن بالنسبة لكِ ولكن وإذا كان والداه كبيرين يحتاجان إليه وليس لهما من يخدمهما ولا يُمكن خدمتهما إلا بالسّكن بجوارهما فيجب عليه ذلك .

وأخيراً : ندعوك أيتها الأخت المسلمة إلى التحلّي بالصبر والعمل على إرضاء الزوج ومساعدته ما أمكن في برّ أهله حتى يأتي الله بالفرج والسّعة ، وصلى الله على نبينا محمد .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد