إذا قلت لأصحابي أنني فعلت من المعاصي كذا وكذا ، وأنا في الحقيقة لم أفعل شيئاً من ذلك ، ولكنني كذبت عليهم ، فهل يعتبر ذلك من المجاهرة بالمعاصي ؟ مع العلم أنني تبت إلى الله عز وجل .
الحمد لله.
أولا :
نحمد الله الذي وفقك للتوبة ، ونسأله تعالى أن يثبتك عليها ، لكن عليك من تمام توبتك أن تُعلم من أخبرتهم أن ما قلته لهم لم يكن صحيحاً ، بل هو من باب الكذب ، وتحذرهم من تلك المعاصي ؛ لئلا يظن بك أنك من أهل تلك المعصية ، ولأجل أن تسلم من أثم نشر الفاحشة بين المؤمنين .
ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن المجاهرة بالمصعية هي أن يفعل الإنسان المعصية في الخفاء ، ثم يُحدث غيره بأنه فعل تلك المعصية .
روى البخاري (6069) ومسلم (2990) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ : أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ يَا فُلَانُ : عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (3365) .
ثانياً :
من قال لغيره إنه فعل معصية معينة ، وهو لم يفعلها ، بل كان كاذباً في قوله ذلك ، فهذا أشد قبحاً في مجاهرته ممن يفعل المعصية ، ثم يجاهر بها ؛ وذلك لأنه جمع بين الكذب - وهو كبيرة من الكبائر - ، وبين إشاعة الفاحشة بين المسلمين ، وتهوينها في النفوس ، التي جاء فيها الوعيد ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) النور : 19 .
ثم لا يبعد أن يكون هذا الذي ادعى أنه عمل ذبنا ، وهو في الحقيقة لم يفعله : لا يبعد أن يكون شريكا لفاعل ذلك الذنب في الإثم ، خاصة إذا كان يشتهي ذلك الذنب ، أو يقوله على جهة الاستحسان له ، والتمني للظفر به . كما في أبي كبشة الأنماري المعروف : ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ؛ فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ؛ فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ . وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ) . رواه الترمذي (2325) وقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني .
فهذا إنما استحق مشاركة الفاعل في ذنبه ، لأجل نيته الفاسدة ، وتمنيه أن يكون شريكا له في عمله ؛ فكيف بمن نوى ذلك ، وتمناه ، ثم أخبر بأنه فعله ، كذبا ، وتشبعا بما لم يعط ؟!
نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالعفو والعافية ، وأن يرزقنا وإياكم التوبة النصوح .
والله أعلم