الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم الذي يُجاهر بالمعصية ويُخبر بها أصحابه

3365

تاريخ النشر : 23-02-2000

المشاهدات : 101244

السؤال

سمعت من خطيب الجمعة أن الله لا يغفر لمن يتجرأ ويخبر أصحابه بالذنب الذي فعله وستره الله . واستشهد في ذلك بحديث نبوي فهل هذا صحيح ؟ أعتقد أن الله يغفر الذنوب جميعاً . والحق أنني أصبت باليأس فأرجو إجابتي بسرعة فإن هذا الأمر يضايقني جداً.

الجواب

الحمد لله.

1. أما أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً : فصحيح لقوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ( الزمر 53 ) .

فأمّا الصغائر فيكفرها فعل الطاعات واجتناب الكبائر للأدلة التالية :

أ. قال الله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ( النساء / 31 ) .

ب. عن ابن مسعود : أن رجلا أصاب مِن امرأة قُبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله عز وجل أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ( هود/114) ، فقال الرجل : يا رسول الله ألي هذا ؟ قال : لجميع أمتي كلهم ” .

رواه البخاري ( 503 ) ومسلم ( 2763 ) .

ج. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْش الكبائر ” . رواه مسلم ( 233 ) .

والأمثلة على الطاعات المكفِّرة للصغائر كثيرة ، كالصيام ، والقيام ، والوضوء ، وغير ذلك .

وأما الكبائر فتحتاج إلى أعمال خاصّة لتكفيرها كالتوبة الصادقة ، وإقامة الحدّ الشّرعي على مرتكبها وغير ذلك كما في النصوص التالية :

1. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – وحوله عصابة من أصحابه – : ” بايِعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمَن وفَّى منكم فأجره على الله ، ومَن أصاب مِن ذلك شيئا فعوقب في الدنيا : فهو كفارةٌ له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ” .

ومعنى ” فعوقب به في الدنيا ” : أي : أقيم عليه الحدّ .

2. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من توبة قال لا فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له ” . رواه البخاري ( 3283 ) ومسلم ( 2766 ) .

وأما إذا مات صاحب الذنب على ذنوبه ، فإن كان منها الشرك : فإن الله لا يغفره في الآخرة ، وإن كان مما هو دونه فصاحبه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .

أ. قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( النساء / 48 ، 116 ) .

ب. عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنَفَه فيقرره بذنوبه : تعرف ذنب كذا يقول أعرف يقول رب أعرف مرتين فيقول سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رءوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ” .

رواه البخاري ( 4408 ) ومسلم ( 2768 ) .

ومعنى كنفه أي سِتْره

2.  تعبيرك باليأس لا يجوز للأدلة الآتية :

1. قال تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ( الزمر / 53 ) ، ويقول ورحمتي وسعت كل شيء …. ( الأعراف / 156 ) .

2.  عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها”.

رواه مسلم ( 2759 ) .

3.  وأما تحدثك بذنبك ومجاهرتك به أمام أصحابك : فحرام وهو من كبائر الذنوب ، وهو باب من أبوب إشاعة الفاحشة بين المسلمين والتشجيع على الشرّ وإغراء الآخرين بالوقوع في مثل فِعْله وتقليل من خطورة المعصية وعلامة على الاستهانة بها وتلطيخ العاصي لسمعة نفسه وإباحة عرضه للآخرين ولذلك نفّرت منه الشريعة أشدّ التنفير كما في الحديث الآتي :

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ” .

رواه البخاري ( 5721 ) ومسلم ( 2990 ) .

وعليه :

فإنا ننصحك بالتوبة الصادقة ، وأنك إذا ابتليت بشيء من الذنوب أن لا تجهر وتفاخر بها ، بل ينبغي أن تستشعر عظمة من عصيت وتستغفر لذنبك وتبكي على خطيئتك وتستقيم على شرع الله وإياك أن يصيبك اليأس والقنوط من رحمة الله ، وإذا استقمت على دين الله فأبشر بالخير في الدنيا والآخرة ، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى ، وصلى الله على نبينا محمد .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد