الحمد لله.
لا يجوز للمسلم أن يتجسس على أخيه المسلم ، ولا أن يتبع زلته ، لما روى الترمذي (2032) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا) رواه البخاري (4849) ومسلم (2563) .
قال النووي رحمه الله :
"قال إمام الحرمين : وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون ، بل إن عثر على منكرٍ غَيَّره جهده" انتهى .
"شرح النووي على مسلم" (2/26) .
وينبغي للمسلم أن يستر أخاه المسلم ما أمكنه ذلك .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) رواه مسلم (2699) .
وروى أبو داود (4890) عن زيد بن وهب قال : أُتِي ابن مسعود فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا . فقال عبد الله : (إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
لكن إن خشي من حصول ريبة ، وكان عنده قرائن تبعث الشك في نفسه فلا حرج عليه من التتبع حتى يتأكد ، ويكون قصده بذلك نصيحة أخيه المسلم ، وإنقاذه مما هو فيه .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
إحدى قريباتي كلمتني عن رجل يعمل مع الوالد في منشأة خاصة بالوالد ، وقالت لي : إن زوجة هذا الرجل تقول : إن زوجي لا يصلي كثيرا من الأحيان ، وينظر إلى الأفلام الخليعة ، فنصحته عن ترك الصلاة ، وقلت لإحدى قريباتي : تأكدي من موضوع الأفلام ، وهي لها علاقة جيدة مع زوجة هذا الرجل ، وذلك لكي نقدم له النصيحة ، هل هذا من التجسس ؟
فأجابوا :
"قد أحسنت في بذل النصيحة ، وما تعمله من التحري والتثبت لأجل مناصحة المذكور لا يعتبر من التجسس المنهي عنه ، وإنما هو من قبيل التثبت من أجل النصيحة" انتهى .
"فتاوى اللجنة" (26/8-9) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"إذا رأى قيم البيت أمارات ظاهرة تدل على هذه الاتصالات الخبيثة فلا بأس أن يضع مسجلاً من حيث لا يعلمون ، لكن عليه إذا علم من أول الأمر ألا يتابع ، بل يوبخهم حالاً ؛ لأنه ربما إذا تابع سمع أشد مما كره أولاً " انتهى . "اللقاء الشهري" (3/298) .
والواجب على من وقع على شيء من ذلك في بعض من يهمه شأنه من ذوي قرابته أو غيرهم أن يتعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وذلك بالتخويف بالله ، بالنصح والتذكير ، والترهيب من عواقبه الوخيمة وما يجلبه على صاحبه من خزي وعذاب وهوان في الدنيا والآخرة .
ولا بأس أن يُعلم من هو أقدر منه على النصيحة والمتابعة ، كالوالدين .
ومن الطرق المفيدة لردعهن عن ذلك بعد مواصلة نصحهن عن طريق والدتهن ، أن يجعل جهاز الكمبيوتر في مكان ظاهر في البيت وليس في الغرفة الخاصة ، حتى لا تتمكن الفتاة من الدخول إلى مواقع ماجنة .
والله أعلم