الحمد لله.
أولا :
يسن للمصلى إذا كان إماما أو منفردا أن يجعل بين يديه سترة ، في الحضر والسفر ، في الفريضة والنافلة ، وفي المسجد وغيره ؛ لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا ) رواه أبو داود (697) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ – من المالكية - : " مِنْ شَأْنِ الْمُصَلِّي أَنْ لَا يُصَلِّيَ إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ ، فِي سَفَرٍ كَانَ أَوْ حَضَرٍ ، أَمِنَ أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ لَمْ يَأْمَنْ " انتهى .
"المنتقى" (1/373) .
" وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا كَفُّ بَصَرِ الْمُصَلِّي عَمَّا وَرَاءَهَا ، وَجَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ خَيَالِهِ كَيْ لاَ يَنْتَشِرَ ، وَمَنْعُ الْمَارِّ كَيْ لاَ يَرْتَكِبَ الإثْمَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ " .
"الموسوعة الفقهية" (24 / 177)
ثانيا :
السنة أن تكون السترة قائمة بين يدي المصلي قدر ثلثي ذراع فأكثر ، طولا ؛ لما رواه مسلم (771) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي ، فَقَالَ : مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ) .
قال النووي رحمه الله : " وَفِي الْحَدِيث النَّدْب إِلَى السُّتْرَة بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي ، وَبَيَان أَنَّ أَقَلّ السُّتْرَة مُؤْخِرَة الرَّحْل ، وَهِيَ قَدْر عَظْم الذِّرَاع , هُوَ نَحْو ثُلُثَيْ ذِرَاع , وَيَحْصُل بِأَيِّ شَيْء أَقَامَهُ بَيْن يَدَيْهِ هَكَذَا " انتهى .
"شرح مسلم للنووي" (4/216) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" الأفضل أن تكون السترة كمؤخرة الرحل ، يعني أن تكون شيئاً قائماً بنحو ثلثي ذراع ؛ أي نصف متر " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (156 / 2) .
ثالثا :
لا حد للسترة في العرض أو السُّمك ( الغلظ أو الدقة ) ؛ فإذا أقام المصلي بين يديه شيئا مرتفعا ، ولو كان عصا ، أو عودا منصوبا ، أو غير ذلك ، حصلت السنة ، ولا يشترط أن يكون ذلك بعرض المصلي ؛ فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستتر بعَنَزَة ، يعني : العصا التي يتوكأ عليها الماشي . رواه البخاري (376) ومسلم (503) .
وصلى إلى الحربة . رواه البخاري (494) ومسلم (501) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( استتروا في صلاتكم ولو بسهم ) .
رواه ابن خزيمة (810) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2783) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فأما قدرها في الغلظ والدقة : فلا حد له نعلمه , فإنه يجوز أن تكون دقيقة كالسهم والحربة , وغليظة كالحائط ... وقال الأوزاعي : يجزئه السهم والسوط " انتهى .
"المغني" (2/38) ، وينظر : "مطالب أولي النهى" (1 / 489) ، "حاشيته" على "الروض" (2 / 117) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24 / 178)
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَتِرَ الْمُصَلِّي بِكُل مَا انْتَصَبَ مِنَ الأشْيَاءِ كَالْجِدَارِ وَالشَّجَرِ وَالأسْطُوَانَةِ وَالْعَمُودِ ، أَوْ بِمَا غُرِزَ كَالْعَصَا وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ وَمَا شَاكَلَهَا " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" السترة : السنة أن تكون قائمة كمؤخرة الرحل بينة بارزة أو شيئاً قائماً كالعصا المنصوب المغروز بالأرض ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم توضع بين يديه العنزة " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (156 / 5) .
لكن السترة العريضة أولى ، وأبعد عن التشويش ، وأجمع لقلب المصلي ، إذا تيسرت له .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " وما كان أعرض فهو أعجب إلي " .
قال ابن قدامة : " وذلك لأن قوله " ولو بسهم " يدل على أن غيره أولى منه " انتهى .
"المغني" (2/38) .
وبهذا يتبين أنه لا بأس على المصلي إذا كانت سترته بقدر العصا ونحوه ، وأنه إذا مر أحد من أمامه ، وحاذى أحد جوانبه ، فإن ذلك لا يؤثر في صلاته بشيء ، إذا المرور الممنوع هو أن يجتاز بين يديه ، يعني أن يكون ممره بين المصلي وسترته ، إن كان له سترة .
رابعا :
لو استتر المصلي بكرسي ، أو طاولة ، أو نحو ذلك مما يكون خالي الجوف أجزأه .
روى البخاري (507) ومسلم (502) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَيْهَا .
والراحلة هي الناقة التي تصلح أن يوضع عليها الرحل . ينظر "فتح الباري" (1/691) .
ومعلوم أن الراحلة هي مثل الكرسي ونحوه ، أن له قوائم من جوانبه ، وليس مصمتا من جميع نواحيه .
قال ابن باز رحمه الله :
" السنة أن تكون السترة شيئا قائما مثل مؤخرة الرحل أو أكثر من ذلك كالجدار والعمود والكرسي ونحو ذلك " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (11 / 101) . وينظر: "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (13 / 32) .
والله تعالى أعلم .
وينظر جواب السؤال رقم : (145200) .