أعمل في بلجيكا في مرأب للسيارات لساعات محددة ، لكن يوم الجمعة أضطر لأن أترك زميلي يعمل مكاني بين الساعة 12 إلى الثانية أو أقل لأداء فريضة الجمعة ، علما أن زميلي ليس مسلما ؛ أريد أن أعرف من فضيلتكم : هل هذا استغلال له ؛ علما بأنه موافق على مساعدتي ، أم عليّ إعطاؤه مقابلا ؟
وبرغم أنه لا يصلي ، فهل أنا أعتبر سببا آخر بعد الكفر في منعه عن الصلاة ؛ لأنه في الوقت الذي أنا فيه أصلي : هو يعمل ؛ والله عز وجل أمرنا أن نذر البيع إدا نودي للصلاة من يوم الجمعة ؟!
الحمد لله.
أولا :
الواجب على كل مسلم أن يحافظ على أداء الصلوات في وقتها في جماعة ، وأن يدع ما عنده
من أعمال الدنيا وأشغالها ، ويتفرغ هذه المدة اليسيرة لأداء حق الله . ويزداد
الوجوب تأكدا في صلاة الجمعة ؛ فإنها من أعظم الشعائر الظاهرة للإسلام ، وهو يوم
عيد المسلمين الأسبوعي ، وقد أمر الله في كتابه بالسعي إليها ، وترك ما يشغل عنها
من عمل الدنيا ؛ فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة/9 .
فلا يجوز أن يكون العمل مانعا من شهود صلاة الجماعة ، وخاصة صلاة الجمعة ، ولا يحق
لصاحب العمل أن يمنع الأجير ، أو الموظف لديه ، من حضور صلاة الجمعة والجماعة ، حتى
ولو لم يشترط عليه ذلك في أول العقد .
قال ابن قدامة ـ صاحب الشرح الكبير ـ :
" قال أحمد أجير المشاهرة [ أي : الذي يعمل بالشهر ، كحال الموظفين أو المستخدمين ]
يشهد الأعياد والجمعة ، وإن لم يشترط ذلك . قيل له : فيتطوع بالركعتين ؟ قال : ما
لم يُضِرَّ صاحبه ، وإنما أباح ذلك لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة . ولهذا
وقعت مستثناة في حق المعتكف لترك معتكفه لها .
وقال ابن المبارك : لا بأس أن يصلي الأجير ركعات من السنة . وقال أبو ثور وابن
المنذر : ليس له منعه منها " انتهى من " الشرح الكبير" لبهاء الدين ابن قدامة (6/7)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وليس للمالك
أن يمنع مملوكه , ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها " انتهى من
"الفتاوى الكبرى" (2/9) .
وقال البهوتي رحمه الله :
" من استؤجر مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها ، سوى فعل الخمس بسننها في
أوقاتها ، وصلاة جمعة "
قال في حاشيته :
" فإن أزمنة تلك مستثناة شرعًا، فلا تدخل في العقد ، لوجوب تقديم حق الله تعالى "
انتهى .
"حاشية الروض المربع" ، لابن قاسم (5/336) .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله : " زمن الطهارة
والصلاة المكتوبة ، ولو جمعة ، والراتبة : مستثنى في الإجارة لعملٍ مدةً ، فلا ينقص
من الأجرة شيء " انتهى من "أسنى المطالب" (2/436) ، وينظر : من "فتاوى ابن الصلاح"
(2/629) .
ثانيا :
إذا تبين أنه من حقك على صاحب العمل أن يسمح لك بالذهاب إلى صلاة الجمعة والجماعة ،
فإذا كان العمل في حاجة إلى شخص يقوم به مدة الصلاة ، فالواجب أن يقوم بذلك من لا
يصلي ؛ يعني : غير المسلمين .
وليس في قيام زميلك بالنيابة عنك مدة الصلاة ظلم له ، أو إعانة له على ترك الصلاة
أو الكفر ؛ لأنه هو الذي اختار لنفسه الكفر ، والتزم به ، ولو لم تتركه أنت مكانك ،
فلن يدع كفره ، ولن يصلي .
لكننا ننبهك هنا إلى أمرين مهمين :
الأول : إذا كان الشخص الذي معك متفهما لأمرك ، محترما لرغبتك في أداء شعائرك ،
فلتكن أنت ـ أيضا ـ حريصا على دعوته إلى الدين ، وإرشاده إليه ، وبيان أن نجاته فيه
: ولئن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من الدنيا وما فيها .
ولو اجتهدت في مكافأته على إحسانه إليك ، وتعاونه معك ، بهدية ، من مال ، أو شيء
آخر يحبه ، فهو أمر حسن مطلوب ، وربما كان فيه تأليف لقلبه ، ودعوة له إلى دينك .
والله أعلم