الحمد لله.
وإذا رأى الأوصياء تغيير
الوصية إلى ما هو أفضل وأولى بالمصلحة العامة فلهم تغييرها على القول الراجح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَيَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ
اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ
وَالصُّوفِيَّةِ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ ،
وَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ فَالْقَائِمُونَ
بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ
وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ
يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ " انتهى .
الفتاوى الكبرى - (5 / 429)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" تغيير الوصية لما هو أفضل فيه خلاف بين أهل العلم : فمنهم من قال : إنه لا يجوز ؛
لعموم قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 181 ، ولم
يستثن إلا ما وقع في إثم فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير . ومنهم من قال : بل
يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل ؛ لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل ، ونفع
الموصى له ، فكلما كان أقرب إلى الله ، وأنفع للموصى له كان أولى أيضاً ، والموصي
بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل ، وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر
، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء
به ؛ فالرجل الذي جاء إليه وقال : إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت
المقدس ، فقال صلى الله عليه وسلم : (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال : (صل ها هنا)
فأعاد الثالثة فقال صلى الله عليه وسلم : (شأنك إذاً) .
والذي أرى في هذه المسألة أنه إذا كانت الوصية لمعين فإنه لا يجوز تغييرها ، كما لو
كانت الوصية لزيد فقط ، أو وقف وقفاً على زيد ، فإنه لا يجوز أن تغير لتعلق حق
الغير المعين بها ، أما إذا كانت لغير معين - كما لو كانت لمساجد ، أو لفقراء - فلا
حرج أن يصرفها لما هو أفضل " انتهى .
"تفسير القرآن للعثيمين" (4 / 256) .
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه
الله :
لدينا في جامع غرناطة مغسلة أموات قد بُنِيَتْ وصيةً ، ولكنها لم يُقَدَّرْ لها أن
اشتغلت منذ أكثر من ثماني سنوات ؛ لعدة عوامل ، منها : عدم تهيئتها تهيئة تامة ،
ومنها : وجود مغسلة كبيرة بجامع الراجحي بالربوة . ولشدة حاجتنا إليها في توسعة
المسجد ، والاستفادة من مكانها ، فإنا نسأل عن حكم هدمها ، والاستفادة من مكانها ،
وذلك لضيق المسجد ، وقلة مَرَافِقِهِ ؟
فأجاب :
"نرى أنه لا يجوز هدمها إلا بإذن الذين عَمَرُوها كوصية ، بعد إقناعهم بعدم الحاجة
إليها ، وعدم العمل فيها ، وعدم تهيئتها، وشدة الحاجة إليها لتوسعة المسجد ،
والاستفادة من مكانها لضيق المسجد ، وقلة مرافقه ، فلعلهم أن يسمحوا بها ، وتُنقل
الوصية إلى مسجد آخر في أطراف البلد . والله أعلم" انتهى من موقع الشيخ .
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=11788
فإذا رأى الأوصياء أن
المصلحة في تحويل ما تبقى من أموال الوصية الى وقف ، جاز لهم ذلك ، ويكونون هم نظار
الوقف ؛ لأن الحق لهم في الوصية ، فالحق لهم في الوقف .
" وقد اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي
النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ ، فَإِذَا جَعَل النَّظَرَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ اتُّبِعَ
شَرْطُهُ " . "الموسوعة الفقهية" (44 / 204) .
وحيث إن الموصي عين الأوصياء ، ورأى الأوصياء المصلحة في الوقف راجحة ، كان الحق
لهم في نظارته .
فإن أرادوا أن يخلوا مسؤوليتهم من الوقف ، فالمرجع في ذلك هي القاضي الشرعي ، فهو
الذي يتولى تعيين ناظر لهذا الوقف .
والله تعالى أعلم .