الحمد لله.
ثانياً:
يجب أن يُعلم أن الإسلام ليس ادعاءً يدعيه الإنسان ، ولا يكفي لحفظ الإسلام على
صاحبه ، إذا كان قد ولد لأبوين مسلمين ، أن يكون اسمه إسلاميا ؛ بل لا بد له من
إظهار شعائر الإسلام الظاهرة ، والالتزام بلا إله إلا الله ، والبعد عن نواقضها .
وما يفعله بعض المسلمين وخاصة ممن يعيشون في دول الكفر والإلحاد يجعلنا نؤكد على
هذا ، فتصبح عندهم بعض شعائر الدين مجرد تقليد وعادة ، كالختان ، وتسمية الأولاد
بأسماء شبه عربية ! والاحتفال ببعض المناسبات الدينية ، أو المنسوبة للدين ، بينما
تجد واقعه كفراً وإلحاداً ، كمن يبني كنيسة للنصارى ، أو يشاركهم في أعيادهم
الدينية ، أو يشارك البوذيين في معابدهم ، وتجدهم لا يصلون ، ولا يصومون ، عدا عن
فعل الموبقات والكبائر الأخرى كشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، والمهم في هذا أنك
تجد منهم نقضاً للإسلام المدعى بألسنتهم من واقعهم العملي أو الاعتقادي – كعدم
تكفير اليهود والنصارى والتشكك في قواطع الإسلام الثابتة – ومن تأمل حال كثير من
المسلمين بالاسم في بلاد الكفر سيتأكد له صدق قولنا هذا ، وأنه موجود لا يُنكره إلا
جاهل أو معاند .
فمثل هؤلاء الذين يأتون بعقائد أو أعمال تخرجهم من الإسلام ، لا ينفعهم أن تكون
أسماؤهم عربية أو إسلامية ، ولا ينفعهم ختانهم ، ولا احتفالهم بالعيد ، بل ولا
ينفعهم نطقهم بالشهادتين ؛ لأنها ستكون مجرد كلمة خاوية من معناها ، فارغة من
مضمونها ، فاقدة لشروطها ، ومن هنا تجد في كلام بعض الفقهاء والعلماء في الحكم على
من ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام التنصيص على : " ولو قال لا إله إلا الله " ؛
ومعنى ذلك أن هذه الكلمة الطيبة ، ليست نافعة له ، إن جاء بما ينقضها قولاً ، أو
أعتقاداً ، أو عملاً .
ثانياً:
ليُعلم أن الفقهاء يختلفون في حكم ترك أركان الإسلام – غير الشهادتين – وهي داخلة
في مسائل الفقه العملي ، لكنهم لا يختلفون في حكم من عاش دهره كله لا يأتي بشيء
منها ؛ فإنها تصير – والحالة هذه – مسألة اعتقاد ، ولا يكون هذا إلا من منافق أو
زنديق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومِن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه
الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ، ولا يصوم من رمضان ،
ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في
القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 611 ) .
وبما ذكرناه نفهم معنى قول الحسن البصري رحمه الله – وينسبه بعضهم للنبي صلى الله
عليه وسلم ولا يصح عنه - : " ليس الإيمان بالتحلِّي ولا بالتمنِّي ، ولكنه ما وقر
في القلوب وصدقته الأعمال " ، فالإسلام ليس كلمة يقولها صاحبها ليكون من المسلمين ،
وليس هو زينة يتزين بها في مجالس الناس ، بل لا بد مع القول من اعتقاد صحيح وعمل
بمقتضى الشهادتين ، وإلا كان رُدَّ عليه ادعاؤه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – شارحاً كلام الحسن البصري - :
وقوله : " ليس الإيمان بالتمنِّي " يعني : الكلام ، وقوله : " بالتحلِّي " يعني :
أن يصير حلية ظاهرة له فيظهره من غير حقيقة من قلبه .
ومعناه : ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة ، ولكن ما وقر في القلب
وصدقته الأعمال ، فالعمل يصدِّق أن في القلب إيماناً ، وإذا لم يكن عمل : كذَّب أن
في قلبه إيماناً ؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر ، وانتفاء اللازم يدل على
انتفاء الملزوم .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 294 ) .
فهذا نذير لكل من يزعم الإسلام بقوله وليس ثمة اعتقاد في قلبه صحيح ، وليس له واقع
عملي يصدِّق به اعتقاده أن ينقذ نفسه قبل فوات الأوان ، وأن يعيد الحساب مع نفسه
ليعرف على أي طريق هو سائر وأين سيصل به هذا الطريق ، ولعلَّ كل هذا أن يكون من شؤم
إقامة هؤلاء بين أظهر الكفار وخاصة الملحدين منهم ، ونسأل الله أن يهديهم للإسلام
الصحيح ، وأن يعجل هجرتهم من تلك الديار .
ثالثاً:
إذا عُلم ما سبق : فإن من تذكرون أحوالهم وتسألون عن أحكامهم على قسمين :
الأول : قوم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويلتزمون بها ، ويصلون ،
لكنهم يتركون بعض فرائض الإسلام ، أو يتهاونون فيرتكبون معاصٍ وآثاماً ، ولا يأتون
بنواقض للإسلام ، فهؤلاء مسلمون تؤكل ذبائحهم إن سمُّوا الله عليها ، ويصلَّى عليهم
صلاة الجنازة ، ويُعزَّى بهم ، ويدفنون في مقابر المسلمين .
والثاني : من سبق ذِكر حالهم ممن لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، ولا يصلون ، أو
لا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أو يأتون بنواقض للإسلام ، فهؤلاء لا
يجوز لكم أكل ذبائحهم ولو سمُّوا الله عليها ، ولا الصلاة عليهم ، ولا دفنهم في
مقابر المسلمين .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 10061
) بيان أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر .
وبينا في جواب السؤال رقم ( 70278 )
أن ذبيحة تارك الصلاة لا تؤكل ، وتجدون في الجواب قول الشيخ ابن باز رحمه الله "
الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته ، هذا هو الصواب " .
وفي جواب السؤال رقم ( 7864 ) قلنا :
" إن الواجب أن يُخصص للمسلمين مقابر ، ولا يدفن فيها غيرهم ، والذي لا يصلي ويموت
وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين " .
وأما حضور مجالس عزاء من مات من القسم الثاني :
فنرى أن حكمها يختلف عما سبق من المنع والتحريم ؛ إن كان ذهابكم بقصد الدعوة وتذكير
المجتمِعين بالله تعالى والإسلام والموت والحساب والجنة والنار ، فاجتماع طائفة من
أولئك وغيرهم فرصة للدعوة ، ولتبليغ دين الله تعالى لهم ، وتذكيرهم باليوم الآخر
وما يحصل فيه ، وليس قصد الذهاب ذات التعزية وإنما اغتنام الاجتماع لتبليغ رسالة
الله تعالى .
رابعاً:
وننبه في آخر المطاف :
1. أنه لا يجوز لآحادكم أن يحكم على المخالف له بالكفر والردَّة ، بل اجعلوا ذلك
منوطاً بأهل العلم منكم وطلاب العلم الأقوياء ، فهم الأقدر على فهم ما نقلناه لكم
من أقوال وأحكام ، وهم الأعلم فيمن يستحق تنزيل الأحكام عليه من عدمه .
2. أن بعض أولئك قد يكون له حكم " أهل الفترة " فواجب عليهم التفقه والتبصر في
الإسلام ، وواجب عليكم دعوتهم إلى الإسلام ، فقد ينجو أولئك يوم القيامة بالاختبار
وتعاقبون أنتم على تقصيركم في دعوتهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
يوجد كثير من المسلمين خاصة في الدول التي كانت فيها الشيوعية , وهؤلاء كما ذكر عدد
ممن زارهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وقد يصلي بعضهم الظهر خمس ركعات , أو لا
يدري أن من بين فرائض الإسلام صوم أو حج , فما حكم هؤلاء , وكيف يحاسبون ؟ .
فأجاب :
الواجب على أهل العلم والدعاة إلى الله سبحانه أن يعلِّموهم ويرشدوهم ; لقول الله
عزوجل ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/ 125 ، وقوله سبحانه ( وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا فصلت/ 33 الآية ،
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) - رواه مسلم -
.
والواجب عليهم أن يتعلموا ويتفقهوا في الدين , وأن يسألوا أهل العلم , كما قال الله
سبحانه ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/ 43
، وبذلك تحصل لهم البصيرة والفقه في الإسلام إن شاء الله , نسأل الله أن يفقههم في
الدين , وأن ييسر لهم دعاة الهدى ، إنه جواد كريم .
أما لو ماتوا على حالهم لم تبلغهم الدعوة : فهم كغيرهم من أهل الفترة أمرهم إلى
الله سبحانه , وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن لم تبلغهم
الدعوة أنهم يمتحنون يوم القيامة , فمن نجح دخل الجنة ومن لم ينجح دخل النار , نسأل
الله لنا ولهم ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع
قريب .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 9 / 444 ) .
والله أعلم