حكم إطلاق عبارة " الغذاء الروحي " على الأذكار والطاعات
تتناقل المنتديات هذه العبارة " الغذاء الروحي " ويطلقونها على التسبيح والتهليل والذِّكر وغيرها من العبادات ، فما الحكم ؟ .
الجواب
الحمد لله.
لا حرج في إطلاق هذه العبارة : الغذاء الروحي " على الطاعات وعلى الذِّكر والتقوى
وغير ذلك من أعمال الإسلام الجليلة .
ومعنى ذلك : أنها تغذي الروح وتقويها ، وهذا مدح لهذه الطاعات ، وبيان أن هذا هو
الغذاء الأهم الذي ينبغي أن يحرص عليه الإنسان ، وليس فقط غذاء الأبدان .
وقد سَمَّى الله تعالى التقوى زاداً ، بل جعلها خير زاد ، وذلك في قوله تعالى :
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ
وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ
يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ
يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) البقرة/ 197 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك – أي : الحج - فإن التزود فيه الاستغناء
عن المخلوقين ، والكف عن أموالهم ، سؤالاً واستشرافاً ، وفي الإكثار منه نفع وإعانة
للمسافرين ، وزيادة قربة لرب العالمين ، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البُنية
بُلغة ومتاع .
وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه : فهو زاد التقوى الذي هو
زاد إلى دار القرار ، وهو الموصل لأكمل لذة ، وأجل نعيم دائم أبداً ، ومن ترك هذا
الزاد : فهو المنقطع به الذي هو عُرضة لكل شر ، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين ،
فهذا مدح للتقوى .
" تفسير السعدي " ( ص 91 ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تُوَاصِلُوا) قَالُوا : إِنَّكَ تُوَاصِلُ .
قَالَ : (إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي
وَيَسْقِينِي) رواه البخاري ( 7299 ) ومسلم ( 1103 ) .
قال ابن القيم رحمه الله :
"ومعلومٌ أنَّ هذا الطعام والشراب ليس هو الطعام الذى يأكله الإنسانُ بفمه ، وإلا
لم يكن مواصلاً ، ولم يتحقق الفرق ، بل لم يكن صائماً ، فإنه قال : (أَظَلُّ
يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني) .
وأيضاً : فإنه فَرَّقَ بينه وبينهم في نفس الوِصال ، وأنه يَقدِرُ منه على ما لا
يقدِرُون عليه ، فلو كان يأكلُ ويشرب بفمه : لم يَقُلْ : (لَسْتُ كَهَيْئَتِكُم) ،
وإنما فَهِمَ هذا من الحديث مَنْ قَلَّ نصيبُه من غذاء الأرواح والقلوب ، وتأثيرِهِ
فى القوة وإنعاشِها ، واغتذائها به فوقَ تأثير الغِذاء الجسمانىِّ ، والله الموفق"
انتهى .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 4 / 94 ) .
فهذا ابن القيم رحمه الله يستعمل هذا التعبير : "غذاء الأرواح والقلوب" ويعني : أن
المقصود من الحديث : أن الله تعالى يغذي روح نبيه صلى الله عليه وسلم وقلبه ،
فيعطيه من القوة أكثر مما يعطيه غذاء البدن .
وقد استعمل العبارة نفسها الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، فقد سئل :
تعلم يا فضيلة الشيخ أن بعض الآباء ينشغل في أعماله ، وقد لا يتمكن من سؤال أبنائه
عن مستواهم الدراسي أو من يصحبون ، فهل هذا تضييع لحقوقهم ؟ .
فأجاب :
قوله " إنه ينشغل بأعماله " نقول : مِن أكبر أعماله : أبناؤه وبناته ، ومسئوليتهم
أعظم من مسئولية تجارته ، ولنسأل ماذا يريد من تجارته ؟ إنه لا يريد منها إلا أن
ينفق على نفسه وأهله ، وهذا غذاء البدن ، وأهم منه : غذاء القلب ، غذاء الروح ، زرع
الإيمان والعمل الصالح في نفوس الأبناء والبنات .
" اللقاء الشهري " ( 58 / السؤال رقم 1 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - :
لا تجعل طعامك مشتبهاً ، اجعل طعامك طيِّباً ، لا تبق على خطر ، الغذاء غذاء الروح
وليس غذاء البدن ، لو يأكل الإنسان لحى الشجر ونبات الأرض : خير له من أن يأكل
درهماً واحداً حراماً .
" لقاء الباب المفتوح " ( 229 / السؤال 22 ) .
فتبين بذلك أنه لا حرج من إطلاق "غذاء الروح" أو "غذاء القلب" على الطاعات .
والله أعلم