الحمد لله.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فَقَدْ كَفَرَ ) ،
فليس المقصود بالكفر هنا الكفر المخرج من الملة ، وذلك باتفاق أهل العلم ، ولكنه
محمول على " كفر دون كفر "، بمعنى أن هروب العبد من سيده من المحرمات الكبيرة التي
تكاد تصل بصاحبها إلى الكفر ، لأنها من شعب الكفر وأعماله ، كما أن المعاصي من
أعمال الجاهلية ، وشعب الكفر .
وفسر بعض أهل العلم الكفر في الحديث بأنه كفر النعمة ، بمعنى أن العبد الآبق من
سيده كفر نعمة سيده عليه وجحدها ، وقابل الإحسان بالإساءة ، ولم يكافئ بالإحسان مَن
أحسن إليه بالطعام والشراب واللباس والمأوى – وهي كلها مسؤولية السيد - .
قال الإمام القرطبي رحمه الله :
" جاء الكفر بمعنى جحد المنعم ، وترك الشكر على النعم ، وترك القيام بالحقوق ؛ قال
صلى الله عليه وسلم للنساء : ( تكفرن الإحسان ، وتكفرن العشير ) أي : يجحدن حقوق
الأزواج وإحسانهم ؛ ومن هنا صح أن يقال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم " انتهى.
" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم "
وقال الإمام النووي رحمه الله :
" فيه أقوال :
أصحها : أن معناه : - هو - من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية .
والثاني : أنه يؤدي إلى الكفر .
والثالث : أنه كفر النعمة والإحسان .
والرابع : أن ذلك في المستحل " انتهى بتصرف يسير.
" شرح مسلم " (2/57-58)
ويقول المناوي رحمه الله :
" قوله ( فقد كفر ) أي : نعمةَ الموالي ، وسَتَرَها ، ولم يقم بحقها ، ويستمر هذا
حاله ( حتى يرجع إليهم ) أو أراد بكفره أن عمله من عمل الكفار ، أو أنه يؤدي إلى
الكفر " انتهى.
" فيض القدير " (3/142)
والله أعلم .