الله سبحانه وتعالى قدر لي أن أكون معاقا ، أعتمد على عكازات في المشي ، كل صلواتي أصليها في البيت عدا صلاة الجمعة ، أروح إلى المسجد لأن هذا المسجد مهيأ للمعاقين الدخول فيه ، أواجه صعوبات في مساجد ثانية بسبب أنها غير مهيأة للمعاقين ، سؤالي : هل يجوز أن أصلي الفرض في السيارة لما أكون بعيدا عن البيت ولم أستطع دخول المسجد بسبب الدرجات المرتفعة ؟
الحمد لله.
القاعدة الشرعية في جميع الواجبات وأوامر الشرع أن الإنسان لا يكلف إلا بما يستطيعه ، وقد دل على ذلك قوله تعالى : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله عز وجل : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الشريعة طافحة بأن الأفعال المأمور بها مشروطة بالاستطاعة والقدرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِن لَم تَستَطِع فَقَاعِدًا ، فَإِن لَم تَستَطِع فَعَلَى جَنبٍ ) - رواه البخاري -.
وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها - كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك - سقط عنه ما عجز عنه ، وإنما يجب عليه ما إذا أراد فعله إرادة جازمة أمكنه فعله .
بل مما ينبغي أن يعرف ، أن الاستطاعة الشرعية المشروطة في الأمر والنهي لم يكتف الشارع فيها بمجرد المكنة ولو مع الضرر ، بل متى كان العبد قادرا على الفعل مع ضرر يلحقه جُعل كالعاجز في مواضع كثيرة من الشريعة ، كالتطهر بالماء ، والصيام في المرض ، والقيام في الصلاة ، وغير ذلك ، تحقيقا لقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ ) ولقوله تعالى : ( مَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ ) ولقوله تعالى : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ ) ، وفى الصحيح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّمَا بُعِثتُم مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ ) " انتهى باختصار.
" مجموع الفتاوى " (8/438-439) .
ومن صور التيسير بسبب المشقة الظاهرة جواز الصلاة على الراحلة – سواء كانت سيارة أم دابة – لمن لا يستطيع النزول عنها إلا بمشقة بالغة ، ويخاف أن لا يجد من يساعده إلى الركوب فيها مرة أخرى .
قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله :
" من به أدنى علة وهو في طريق ، فخاف إن نزل عن المحمل للصلاة بقي في الطريق ، فإنه يجوز أن يصلي الفرائض على محمله ، وكذا المريض الراكب إذا لم يقدر على النزول ولا على من ينزله ، بخلاف ما لو قدر على مَن يُنزله " انتهى .
" البحر الرائق " (2/122) .
وقال الحطاب المالكي رحمه الله :
" صلاة الراكب باطلة ، إلا أن يكون الركوب لمرض" انتهى .
" مواهب الجليل " (1/514) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" العاجز عن النزول عنها – أي عن الدابة - كأن خشي منه مشقة لا تحتمل عادة , أو فوت الرفقة وإن لم يحصل له إلا مجرد الوحشة على ما اقتضاه إطلاقهم فيصلي عليها على حسب حاله ، قال القاضي : ولا إعادة عليه " انتهى .
" تحفة المحتاج " (1/493) .
وعلق صاحب الحاشية على " التحفة " بذكر أعذار أخرى تجيز صلاة الفريضة على الدابة ، فقال :
" أو احتاج في نزوله إذا ركب إلى مُعين وليس معه أجير لذلك ، ولم يتوسم من نحو صديق إعانته أو شق الركوب بالمعين مشقة لا تحتمل " انتهى.
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" إن خاف المريض بنزوله عجزا عن ركوبه صلى عليها – أي على الدابة - دفعا للحرج والمشقة " انتهى باختصار .
" كشاف القناع " (1/502) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا علمنا أن هذا المريض لو نزل لم يستطع الركوب لأنه ليس عنده من يركبه ، وهذا قد يقع : فيصلي على الراحلة ؛ لأن هذا أعظم من التأذي بالمطر وأخطر " انتهى.
" الشرح الممتع " (4/347) .
والحاصل : أن المريض الذي يشق عليه النزول من سيارته – كالمقعد مثلا – يجوز له صلاة الفريضة في سيارته ، ولكن بشرط أن لا يمكنه النزول من السيارة ثم الركوب مرة أخرى إلا بمشقة شديدة لا يحتملها .
ويلزمه استقبال القبلة ، فإن لم يمكنه الاستقبال وهو في السيارة ، فإنه يوجه السيارة إلى جهة القبلة ، ثم يصلي حسب ما تيسر له .
والله أعلم .