الحمد لله.
وروى الترمذي (3349) وصححه ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ : أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ
هَذَا أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا ؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَبَرَهُ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا
بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي . فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاللَّهِ لَوْ دَعَا
نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ .
قال ابن كثير رحمه الله :
" نزلت في أبي جهل لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت
، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال : ( أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى
الْهُدَى ) أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، أو
( أَمَرَ بِالتَّقْوَى ) بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؛ ولهذا قال : (
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن
الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء ". انتهى من"تفسير ابن كثير"
(8 /438)
فقد دلت هذه النصوص على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة أول الدعوة ،
وأن أبا جهل لعنه الله كان يتغيظ عليه في ذلك وينهاه ويتوعده ، فأنزل الله هذه
الآيات .
على أنه ينبغي أن يعلم هنا أن سورة العلق لم تنزل كلها
دفعة واحدة ، بل الذي نزل أولا هو صدر هذه السورة ، حتى قوله تعالى : ( علم الإنسان
ما لم يعلم ) ، وأما باقي السورة فإنما نزل متأخرا بعد ذلك .
ففي حديث بدء الوحي عند البخاري (4954) ومسلم (160) : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لما جَاءَهُ الْمَلَكُ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَقَالَ له اقْرَأْ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ
... الحديث ، وفيه : ( فَقَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ ) الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ : ( عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ
يَعْلَمْ ) لفظ البخاري .
ولفظ مسلم : ( فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ
ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" سورة المدثر هي أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة ( اقرأ ) ". انتهى من"شرح
العمدة" (4 /404)
وقال أبو حيان الأندلسي :
" هذه السورة مكية – يعني سورة العلق - وصدرها أول ما نزل من القرآن ، وذلك في غار
حراء على ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ". انتهى من"تفسير البحر المحيط" (8 /488) .
ثانيا :
الصلاة كانت مشروعة قبل "الإسراء" ، كما دل على ذلك سورة العلق ، والأحاديث
المذكورة في سبب نزولها ، ودل عليه أيضا سورة المزمل ، وما فيها من وصف قيام النبي
صلى الله عليه وسلم لليل ، هو وطائفة ممن معه من المؤمنين ، وسورة المزمل من أوائل
ما نزل ، ودلت عليه نصوص كثيرة ، ووقائع عديدة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْإِسْرَاء يُصَلِّي قَطْعًا ،
وَكَذَلِكَ أَصْحَابه ؛ لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْل الْخَمْس شَيْء
مِنْ الصَّلَاة أَمْ لَا ؟ " انتهى .
وينظر إجابة السؤال رقم : (145725)
.
والله أعلم .