الحمد لله.
وروى ابن أبي الدنيا في " القبور " (ص/93، رقم/92) قال
: حدثنا أبي ، ثنا هشيم ، ثنا مجالد ، عن الشعبي : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه
وسلم : إني مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في
الأرض ، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك
أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة .
وهذا كما ترى حديث مرسل ، فالشعبي ليس من الصحابة ولا من كبار التابعين ، وله
مراسيل كثيرة عن الصحابة .
وفيه أيضا مجالد بن سعيد ، ضعفه يحيى القطان ، وأبو حاتم ، وأحمد ، وابن معين ،
والنسائي وغيرهم ، انظر : " تهذيب التهذيب " (10/41)
ثانيا :
أما الحديث الثاني الوارد في السؤال ، فلعل المراد به حديث الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ
الأشعري :
( أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ :
كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ ؟ قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا . قَالَ :
انْظُرْ مَا تَقُولُ ، إِنَّ لِكُلُّ حَقٍّ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ
؟ قَالَ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ
رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ
فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا . قَالَ
: يَا حَارِثَةُ ! عَرَفْتَ فَالْزَمْ - قَالَهَا ثَلَاثًا -)
وقد روي على وجهين : مرسل ومتصل .
أما المرسل : فقد جاء من أسانيد عدة :
1- ابن نمير ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن زبيد مرسلا .
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/170)
2- عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن صالح بن سمار وجعفر بن برقان : أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال للحارث بن مالك ...الحديث .
رواه البيهقي بإسناده في " شعب الإيمان " (13/160) وقال : " هذا منقطع ".
3- أخبرنا معمر ، عن صالح بن مسمار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
رواه ابن المبارك في " الزهد " (1/106)، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(54/227)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وهو معضل " انتهى من " الإصابة " (1/689)
4- قال الحافظ ابن حجر : " أخرجه – يعني عبد الرزاق - في التّفسير عن الثّوريّ ، عن
عمرو بن قيس الملائي ، عن يزيد السلمي قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
للحارث:...." انتهى من " الإصابة " (1/689)
5- قال ابن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ، أنا أبو معشر، عن محمد صالح الأنصاري
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عوف بن مالك فقال : كيف أصبحت يا عوف بن
مالك ؟ انتهى من " الإيمان " لابن أبي شيبة (ص/43)
وأما الوجه المتصل فقد جاء أيضا بأسانيد عدة :
1- من طريق زيد بن الحباب ، ثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد السكسكي ، عن سعيد بن
أبي هلال ، عن محمد بن أبي الجهم ، عن الحارث بن مالك الأنصاري .
رواه عبد بن حميد كما في " المنتخب من المسند " (165)، والطبراني في "المعجم
الكبير" (3/166) وعنه أبو نعيم في " معرفة الصحابة " (2/777)، ورواه البغوي في "
معجم الصحابة " (2/75)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (13/159)
وهذا إسناد ضعيف بسبب ابن لهيعة ، وبسبب محمد بن أبي الجهم ، لم نقف على توثيق له
إلا ذكر بعض المترجمين له في الصحابة ، ولكن في ثبوت صحبته نظر .
وقد قال أبو نعيم رحمه الله :
" لا أراه صحابيا " انتهى من " معرفة الصحابة " (1/202)
وقال ابن حجر رحمه الله :
" بل هو من أتباع التابعين ، روى حديثا فأرسله ، فغلط بعض رواته في لفظ متنه "
انتهى من " الإصابة " (6/261)
وقد سكت عنه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (7/224).
وباقي رجاله روايتهم مقبولة .
2- قال البيهقي في " الزهد الكبير " (ص/355) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا
أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن المقرئ من كتاب عتيق ، ثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن
يزيد بن سنان ، ثنا زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الكريم – هو ابن الحارث كما سماه في
إسناده ابن مندة -، عن الحارث بن مالك .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، فيه أبو فروة يزيد بن محمد ، قال فيه الدارقطني : متروك.
انظر: " موسوعة أقوال الدارقطني " (2/723)
3- قال أبو نعيم رحمه الله : " ورواه محمد بن الفضل بن عطية ، عن غياث بن المسيب ،
عن سليمان بن سعيد بن أبي بردة ، عن الربيع بن لوط ، عن الحارث بن مالك الأنصاري
أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه " انتهى من " معرفة الصحابة "
(2/777)
وهذا إسناد متوقف فيه أيضا ، إذ لم نقف على ترجمة مفيدة لسليمان بن سعيد بن أبي
بردة ، بل ولم نقف على ذكر له في كتب أهل العلم ، وأيضا فيه غياث بن المسيب ، قال
فيه الإمام الذهبي رحمه الله : " مجهول " انتهى من " ميزان الاعتدال " (3/338)
والذي يتحصل للقارئ أن جميع الأسانيد السابقة لا تخلو
من نكارة وضعف ، فعمادها على المراسيل والمجاهيل والضعفاء ، ومثلها لا يقوي بعضها
بعضا ، كما أن شواهد الحديث عن أنس بن مالك وأبي هريرة لا تقوي القصة ، ولا تدل على
ثبوتها .
لذلك ضعف العلماء هذا الحديث ، ولم نقف على تصحيحه عند أحد منهم .
قال العقيلي رحمه الله :
" ليس لهذا الحديث إسناد يثبت " انتهى من " الضعفاء الكبير " (4/455)
وقال ابن تيمية رحمه الله :
" في الحديث الذي رواه ابن عساكر مرسلا ، وروي مسندا من وجه ضعيف لا يثبت " انتهى
من " الاستقامة " (1/194)
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وهو حديث روي من وجوه مرسلاً ، وروي مسنداً متصلاً من رواية يوسف بن عطية الصفار
، وفيه ضعف ، عن ثابت ، عن أنس ...والمرسل أصح " انتهى باختصار من " التخويف من
النار " (45)
وقال أيضا :
" روي من وجوه مرسلة، وروي متصلا، والمرسل أصح " انتهى من " جامع العلوم والحكم "
(1/127)
وقال العراقي :
" كلا الحديثين – يعني حديث الحارث الأشعري وشاهده حديث أنس بن مالك – ضعيف " انتهى
من " المغني عن حمل الأسفار " (1575)
وقال الهيثمي رحمه الله :
" فيه ابن لهيعة ، وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه " انتهى من " مجمع الزوائد " (1/57)
وقال البوصيري :
" رواه عبد بن حميد بسند ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة " انتهى من " إتحاف الخيرة
المهرة " (7/454)
ثم إن الحديث – على فرض صحته – لا يدل على أن الحارث
الأشعري قصد كونه يرى العرش عيانا ، وإنما يريد التمثيل للدلالة على قوة الإيمان
بالله عز وجل ، حتى كأنه يرى الغيب رأي العين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الصحيح المشهور في تعريف الإحسان : ( أن تعبد الله كأنك تراه )
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" أن يشهد العبد بقلبه ذلك شهادة ، فيصير كأنه يرى الله ويشاهده ، وهذا نهاية مقام
الإحسان ، وهو مقام العارفين ، وحديث حارثة هو من هذا المعنى ؛ فإنه قال : ( كأني
أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وإلى أهل النار
يتعاوون فيها . فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عرفت فالزم ، عبد نور
الله الإيمان في قلبه ) وهو حديث مرسل ، وقد روي مسندا بإسناد ضعيف . وكذلك قول ابن
عمر لعروة - لما خطب إليه ابنته في الطواف فلم يرد عليه ثم لقيه فاعتذر إليه – وقال
: كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا ...
" انتهى باختصار من " فتح الباري " لابن رجب (1/212-214)
ثالثا :
كتاب " فضائل الأعمال " واسمه القديم الذي طبع به أولا : " تبليغي نصاب " ، لمؤلفه
: محمد زكريا الكاندهلوي ، مليء بالخرافات التي لا يجوز نقلها ولا حكايتها ، فضلا
عن الإيمان بمحتواها .
يقول الشيخ حمود التويجري رحمه الله :
" فيه من الشركيات والبدع والخرافات والأحاديث الموضوعة والضعيفة شيء كثير ، فهو في
الحقيقة كتاب شر وضلال وفتنة " انتهى من " القول البليغ " (ص/11)
ويقول الشيخ شمس الدين الأفغاني رحمه الله :
" لكبار أئمة الديوبندية كتب يقدسها الديوبندية ، وهي مكتظة بالخرافات القبورية
والوثنيات الصوفية ، نحو : - وذكر كتبا منها - " تبليغي نصاب " أي : نصاب التبليغ
ومنهج التبليغ . وهؤلاء الديوبندية لم يعلنوا البراءة من هذه الكتب ، ولا حذروا
منها ، ولا أوقفوا طباعتها ، ولا منعوا بيعها ولا شراءها ، وأسواق الهند وباكستان
وغيرها مكتظة بها " انتهى من " جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية "
(2/776)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " :
" ما نقل في هذه الكتب – منها كتاب " فضائل الأعمال " - مما ذكر في السؤال من البدع
المنكرة ، والخرافيات التي لا تستند إلى حقيقة شرعية ، ولا إلى أصل من كتاب الله أو
سنة نبيه صلى الله عليه وسلم " انتهى من (المجموعة الثانية 2/99)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – عبد الله بن غديان – صالح
الفوزان – بكر أبو زيد .
وقد سبق التحذير من هذا الكتاب في الجواب رقم : (108084).
رابعا :
أما ادعاء معرفة الغيب من قبل البشر فذلك ما لا يصدر عن مؤمن تقي ، فكيف بالعلماء
والصالحين من الصحابة والتابعين ، فقد قال الله عز وجل : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا
يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )
الجن/26-27. فإذا كان الأنبياء لا يعرفون الغيب إلا بقدر يسير يطلعهم الله عليه
ليكون ذلك آية لهم على نبوتهم ، فكيف بغيرهم ممن يدعي معرفة الغيب المطلق ،
والاطلاع على اللوح المحفوظ .
جاء في متن " العقيدة الطحاوية ":
" العلم علمان : علم في الخلق موجود ، وعلم في الخلق مفقود ، فإنكار العلم الموجود
كفر ، وادعاء العلم المفقود كفر ، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك
طلب العلم المفقود"
وكان من تعليق الشيخ ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" من ادعى علم الغيب كان من الكافرين " انتهى من " شرح الطحاوية " (ص/262)
والله أعلم .