التعليق على دعاء " اجتهدتُ في فعل المعاصي مستتراً فاجتهدتَ أنت ربي في ستري "
كنت أدعو بدعاء وقال لي أصدقائي إن هذا الدعاء حرام ، فأرجو معرفة إذا كان حراماً أم لا:
" اجتهدتُ في فعل المعاصي مستتراً فاجتهدتَ أنت ربي في ستري " ! .
الجواب
الحمد لله.
من فضل الله تعالى على المسلم أن جعله في سعة من أمره في شأن الدعاء ؛ فهناك أدعية
في القرآن من أدعية الأنبياء والمرسلين قليلة المباني عظيمة المعاني ، وهناك أدعية
في السنَّة المشرفة من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن هناك أدعية جليلة
للصحابة الكرام والتابعين الأجلاء والعلماء الأفاضل ، وهي مجموعة في كتب كثيرة ،
كما أنها مبثوثة في سيرهم العطرة ، فلا ندري ما الحاجة لأن يَخرج علينا من يخترع
ألفاظاً في أدعيته لربه تعالى ولا يكتفي بأن يذكرها بينه وبين ربِّه حتى يشيعها بين
الناس في مواقع الإنترنت وغيرها ، والمطلع على المواقع الإلكترونية يجد من هذا
شيئاً كثيراً ، وغالبه عليه ملاحظات شرعية ؛ والسبب في ذلك أن من يكتب ذلك في الأصل
ليسوا من أهل العلم ولا طلبته .
ومن الأمثلة على ما نقوله ما انتشر في كثير من المواقع الإلكترونية من دعاء فيه
تكلف واضح ، وفيه جملة غاية في الشناعة والبشاعة ، وهي التي ذكرها الأخ السائل ،
ويكمن خطؤها في وجهين :
الأول : المشاكلة في اللفظ بين اجتهاد العبد المخلوق العاصي واجتهاد الرب الخالق
الغفور ، وهذا غير لائق بالداعي أن يفعله ، ففيه انتقاص من قدر الرب عز وجل .
الثاني : إثباته " الاجتهاد " لله تعالى ! وهو لفظ قبيح نسبته للرب تعالى ، فاللفظ
يدل على بذل مجهود وطاقة ، وهذا محال في حق الله تعالى الذي أخبر عن نفسه أنه خلق
السموات والأرض وما بينها وما مسَّه من لغوب – أي : تعب - ، قال الله تعالى (
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ) ق/ 38 ، وهذا النفي للتعب والإعياء منفي عن الله تعالى
مطلقاً وإنما ذكره هنا بعد خلقه السموات والأرض وما بينهما لدفع الإيهام وللرد على
من أثبت له ذلك من اليهود ، وهذا النفي للتعب والإعياء يدل على كمال قدرته عزَّ
وجلَّ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " واعلم أن الصفات المنفية لا
يراد بها مجرد النفي ؛ وإنما يراد بها مع النفي : ضدها ، فإذا قال الله تعالى عن
نفسه ( وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فالمراد : نفي اللغوب ، وإثبات كمال قوته وقدرته
" انتهى من " تفسير سورة البقرة " ( 2 / 132 ) .
وإذا كان يصح أن يقال عن العبد العاصي إنه " اجتهد " في المعصية فكيف يطيب للعبد أن
يقول لربِّه تعالى إنه " اجتهد " في سترها وهو قادر – سبحانه – على سترها بل
ومغفرتها وتبديلها بحسنات بكلمة " كُن " ؟! هذا غير جائز ، بل هو محرَّم ، ولا يحل
لأحدٍ أن يتكلم في حق ربه بما يوهم نقصا ، أو يبعد عن المقام اللائق في الأدب معه
سبحانه .
فالواجب على المسلم ترك الدعاء بهذه الجملة ، والحذر من نشرها ، كما يجب على
المواقع الإلكترونية حذف هذه الجملة من مواقعها وعدم اكتساب الإثم بنشرها .
والله أعلم