الحمد لله.
وهكذا فأصل الإسناد فيه بعض
الثغرات ، ولا يمكن أن يصحح الحديث أو يحكم له بالقبول وهو على هذا الحال .
لذلك قال البوصيري رحمه الله :
" التابعي لم يسم " انتهى من " إتحاف الخيرة المهرة " (2/375)
ثانيا :
الحديث الثاني الوارد في السؤال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة )
مدار هذا الحديث على منصور بن المعتمر ، يرويه عن شيخه هلال بن يساف ، ولكن اختلف
الرواة على منصور على وجهين :
فرواه قيس بن الربيع ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن صهيب بن النعمان رضي الله
عنه ، مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، كما عند الطبراني في " المعجم
الكبير " (8/46)، ومن طريقه ابن الأثير في " أسد الغابة " (3/41)
ورواه كل من أبي عوانة وسفيان الثوري ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن ضمرة بن
حبيب ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، موقوفا من كلام هذا الصحابي
الذي أبهم اسمه ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، كما عند عبد الرزاق في "
المصنف " (3/70)، وابن أبي شيبة في " المصنف " (2/60)، والبيهقي في " شعب الإيمان "
(4/544)
وقد رجح النقاد الوجه الثاني
؛ لأن الثوري وأبا عوانة أوثق من قيس بن الربيع ، بل إن قيسا متكلم فيه ، ضعفه علي
بن المديني ، وقال فيه النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال
الدارقطني : ضعيف الحديث ، ينظر : " تهذيب التهذيب " (8/394)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وهو غلط من قيس " انتهى من " إتحاف المهرة " (16/490)
وقال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق رواية قيس بن الربيع :
" وهذا غريبٌ من هذا الوجه " انتهى من " جامع المسانيد " (4/345)
وأما الإسناد الموقوف فهو
إسناد صحيح مقبول .
قال المنذري رحمه الله :
" إسناد جيد " انتهى من " الترغيب والترهيب " (1/171)، وصححه الشيخ الألباني موقوفا
في " صحيح الترغيب والترهيب " (1/106)، وأما في " السلسلة الصحيحة " (رقم/3149)
فقال إن له حكم الرفع ، غير أننا لا نرى الجزم بحكم الرفع لمثل هذا الكلام الموقوف
؛ لأن للاجتهاد فيه مدخل من جهة أن تفضيل الصلاة في السر على صلاة العلن أمر له
شواهد كثيرة في الشريعة، وليس من المستبعد أن يكون ذلك من كلام الصحابي وليس من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وتشبيه ذلك بتفضيل صلاة المكتوبة على النافلة أيضا
من الاجتهاد ، يمكن أن يريد به الصحابي الجليل مطلق وجه الشبه الذي هو عظم المفاضلة
بين صلاة السر وصلاة العلن ، وليس المقصود به التشبيه التام المحدد بالأعداد
والأرقام .
وعلى كل حال فلا شك أن
المقصود تفضيل صلاة النافلة في البيت - حيث لا مطمع لنظر الناس - على صلاة المرء
على أعين الناس ، ليكون أقرب إلى الإخلاص والصدق مع الله تعالى ، وأبعد عن الرياء
والسمعة ، كما قال جل وعلا في شأن الصدقات : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ
فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
البقرة/271.
والنافلة هنا تشمل جميع النوافل التي لا يستحب فيها الجماعة كالكسوف والتراويح ،
أما سائر النوافل الأخرى – سواء كانت راتبة قبلية أم بعدية أم مطلقة – فالأفضل أن
تصلى في المنزل ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ
فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ
إِلَّا المَكْتُوبَةَ ) رواه البخاري (731)، وانظر جواب السؤال رقم : (22209)
والله أعلم .