الحمد لله.
وأما بخصوص طريقة التعامل
معها فإنه يمكننا القول إن لك أن تهجريها وأن تردي الإساءة بمثلها ، وأنه لا يلزمك
شرعاً برَّها ولا زيارتها ، لكن هناك خصوصيات عديدة ، ووضعا اجتماعيا معقدا يجعلنا
لا نفضل لك ذلك ، لا سيما ومعيشتكم في مكان مشترك ؛ فهذا يتطلب قدرا من الحكمة
والواقعية في التعامل ، فنحن نطمع منك في أمور ، ولا نظنك تضعفين عنها ، إن شاء
الله :
1. أن تحتملي أذى أم زوجك وأن تصبري على ما ابتليتِ به إكراماً لزوجك وأداء لحسن
العشرة معه ، قال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران/ 133 ،
134 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " وصف المتقين وأعمالهم ( والكاظمين
الغيظ ) أي : إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم - وهو امتلاء قلوبهم من الحنق
الموجب للانتقام بالقول والفعل - هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية بل يكظمون
ما في القلوب من الغيظ ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم .
( والعافين عن الناس ) يدخل في العفو عن الناس العفو عن كل من أساء إليك بقول أو
فعل ، والعفو أبلغ من الكظم ؛ لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء ، وهذا
إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة وتخلى عن الأخلاق الرذيلة ، وممن تاجر مع الله
وعفا عن عباد الله رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وكراهة لحصول الشر عليهم ، وليعفو
الله عنه ويكون أجره على ربه الكريم لا على العبد الفقير ، كما قال تعالى : ( فمن
عفا وأصلح فأجره على الله ) " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 148 ) .
فالصبر على الأذى وكظم الغيظ ثم العفو عن المسيء والإحسان إليه هذه أخلاق الصالحين
.
2. أن تصفحي عنها ؛ امتثالا لوصية الله تعالى في قوله : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) آل عمران/ 199 ، وهذه الآية جامعة
لمحاسن الأخلاق ، وإن أم زوجك قد بلغت من العمر ما بلغت وربما تجلس قليلا ثم تفارق
الدنيا فراقاً لا لقاء بعده إلا في الآخرة ، فاعفي واصفحي واطلبي أجر ذلك وثوابه من
الكريم الجليل – سبحانه - .
3. ابتعدي عن كل ما يثيرها ويزعجها ، وأقلِّي من الخلطة معها إلا لإيصال الخير
إليها ، كما قال تعالى : ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .
4. أن تكثري من الدعاء لها بالهداية والصلاح ؛ فإن الدعاء أثره عظيم على الداعي
والمدعو له ، وإن الالتجاء إلى الله لا ينتج عنه إلا الخير .
5. لا تدعي النصح لها وابذلي القول والفعل الحسن لها ، منك ومن غيرك ممن تظنين أن
كلامهم مسموع لديها ، وربما زوجك يكون له أثر كبير إذا وعظها وأرشدها ، أو من خلال
كتاب أو برنامج تلفزيوني لشيخ تثق به وتستمع له .
6. استشعري الأجر على كل ما سبق ذكره ، واعلمي أن المحن تأتي بالمنح ، فَعَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ لِى قَرَابَةً
أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ
عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ " فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ
فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ
عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رواه مسلم ( 2558 ) .
ومعنى تسفهم المل : تطعمهم الرماد الحار .
07 فإذا ضاق صبرك عن أن تحتملي هذا الوضع ، فليس إلا أن تفترقي مع زوجك في مسكن خاص
، ومع أن هذا حق لك ، لا شك فيه ، إلا أن المتعين على المرأة العاقلة قبل أن تفكر
في حقها الخالص ، أن تنظر في ظروف زوجها ، والظروف المحيطة بكم ؛ وتتريثي في طلب
ذلك الحق ، إلى أن تجدي من زوجك القدرة على تنفيذه .
ونسأل الله تعالى أن يسددك ويوفقك لما فيه رضاه .
وانظري جواب السؤال رقم (
83778 ) .
والله أعلم