الحمد لله.
ثانياً:
تقوم الأوراق النقدية الآن مقام الذهب والفضة في التعامل بها ، كثمن للأشياء ، وهذا
أمر استقر عليه عمل الناس منذ زمن ، ولا حرج فيه شرعا .
ويجري الربا فيها ، كما يجري في الذهب والفضة ، سواء بسواء ، كما عليه عامة أهل
العلم الآن ، وصدرت به قرارات المجامع العلمية .
وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم (129043).
ثالثاً:
الأشياء التي يقع الربا فيها ، وقد حددها النبي صلى الله عليه وسلم ، أجناس مختلفة
، فهناك الذهب ، والفضة ، وهناك القمح ، وهناك العنب ... ، فربا الفضل الممنوع في
هذه الأشياء ، وهو الذي يكون بالزيادة : أن يبادل جرام ذهب ـ مثلا ـ بجرامين من
الذهب أيضا ؛ إما لاختلاف الصنعة ، أو غير ذلك .
أو يعطيه كيلة من القمح الجيد ، ويأخذ بدلها كيلتين من الردئ .
أو يعطيه ( كيلو ) من العنب ، ويأخذ منه كيلوين من عنب آخر ، وهكذا .
فهذا كله ممنوع ، لأنه بادل سلعة ربوية ، بسلعة ربوية أخرى ، لكنها من نفس الجنس (
الصنف ) مع الزيادة .
والواجب في مثل ذلك : أن يحصل التبادل بالتساوي : فالكيلو ، يأخذ منه كيلو آخر ،
والكيلة يأخذ بدلها كيلة مثلها ، والجرام يأخذ به جراما آخر ، ما دام من نفس الجنس
الربوي .
لكن إذا اختلفت الأجناس : ( فبيعوا كيف شئتم ) ؛ يعني : إذا اشتريت قمحا بذهب ،
فبيعوا كيف شئتم ، لا يقال هنا : لا بد أن يكون الجرام من الذهب تأخذ به جراما من
القمح طبعا ، ولا تأخذ به كيلة ، ولا أكثر ، ولا أقل ؛ بل على حسب بيع الناس
وشرائهم ؛ فبيعوا كيف شئتم .
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ
بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ
بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ
هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه
مسلم (1587) .
قال الصنعاني رحمه الله : "
واعلم أنه اتفق العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في الجنس ، مؤجلاً
ومتفاضلاً ؛ كبيع الذهب بالحنطة والفضة بالشعير وغيره من المكيل..".
انتهى من "سبل السلام"(2/52) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " فهذه الأصناف الستة هي التي يكون فيها الربا إذا باع الإنسان جنساً منها
بمثله، فإنه يجري فيهما ربا الفضل وربا النسيئة ، ولابد لتوقي هذين النوعين من
الربا من التساوي بينهما وزناً فيما يوزن ، وكيلاً فيما يكال ، والتقابض قبل
التفرق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام (مثلاً بمثل سواء بسواء يدا بيد).
وإذا بيع جنس بآخر موافق له في علة الربا ، فلا بد من شرط واحد وهو التقابض قبل
التفرق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم
إذا كان يداً بيد).
أما إذا كان لا يوافقه في علة الربا ، كبيع البر بالذهب أو الفضة، فإنه لا يجري
الربا بينهما فلا يشترط فيهما تقابض ، ولا يشترط فيهما تماثل .
وعلى هذا يجوز أن تبيع صاعاً من البر بدرهم أو درهمين ، أو دينار أو دينارين ، وإن
لم تقبض العوض؛ لأنه لا ربا بين مكيل وموزون.." انتهى من فتاوى "نور على الدرب" .
وقال رحمه الله أيضا في
"الشرح الممتع" (8/404) : " فإن اختلفا في المعيار الشرعي؛ بأن كان أحدهما مكيلاً
والآخر موزوناً، يقول الفقهاء: إنه يجوز كل شيء، يعني يجوز الكيل والوزن والجزاف
والحلول والتأجيل ، مثل أن أبيع عليك رطلاً من الحديد بصاعين من البر مؤجلين إلى
شهر، فهذا جائز؛ لأن معيار الحديد الوزن ومعيار البر الكيل.
وإذا بيع ربوي بغير ربوي فيجوز التفرق قبل القبض، ويجوز التفاضل، مثل أن يبيع
شعيراً بشاة، أو يبيع شعيرا بثياب، أو ما أشبه ذلك، فهذا يجوز فيه التفرق قبل القبض
والتفاضل، هذا هو خلاصة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى " انتهى.
والله أعلم