الحكمة في استحباب وليمة النكاح

18-06-2012

السؤال 178016


أنا مسلم سنّي وأريد أن أعرف لماذا ينبغي علينا إقامة الوليمة في الزواج ، وما المدة بعد عقد النكاح التي ينبغي فيها إقامة هذه الوليمة ؟ لقد سألت العديد من الناس فردّوا عليّ بردود لا تتماشى مع المنطق أو صحيح الأثر، فالبعض يقول شُرعت الوليمة للإعلان عن الدخول بالزوجة ، وإذا كان كذلك فمعنى هذا أنه يجب غشيان الزوجة في أول ليلة ، وهذا لا يصح عقلاً ، ثم أيعقل أن شرعاً كشرع النبي صلى الله عليه وسلم، سيد الحياء والعفة ، أن يأمر بإقامة حفلة لإذاعة سر بين رجل وزوجته ..؟! ثم قرأت في بعض الكتابات أن الوليمة شُرعت للإعلان عن البهجة والسرور في هذه المناسبة ، وتمنى الخير للعريسين الجديدين.. أهذا كل شيء؟ أيعقل أن الوليمة تقف على هذا الوصف والتعريف..؟! أنا أعلم أنها سنة من سنن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفى به سبباً للعمل بها، إلا أني أريد أن أعرف الحكمة من وراءها ، فأرجو إلقاء بعض الضوء على هذا الموضوع .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الواقع أيها الأخ الكريم أننا نتعجب من سؤالك ، الذي ربما بلغ درجة التنطع ، والمبالغة في أمر لا يحتاج إلى كل هذا القلق ، والتردد ؛ إن مسألة الوليمة مع أنها سنة من سنن النكاح كما ذكرت ، فهي أمر لا يختص به شرعنا ، بل ترى أن ذلك أمر يعتاده الناس في كل مكان ، وأيا ما كانت شريعتهم .
إننا لا ندري من أين جاء إلى ذهنك التلازم العجيب والغريب بين أن تكون الوليمة من شعار النكاح ، وطرق إعلانه وإذاعته بين الناس ، وبين أنه يجب على الزوج - على ذلك - أن يجامع زوجته في أول ليلة ؟! من أين فهمت ذلك الفهم الغريب ، أيها الأخ الكريم ؟!
إن معنى إعلان النكاح الذي هو شعيرة من شعارات النكاح الشرعي ، وفارق مهم بينه وبين العلاقات السرية غير الشرعية ؛ إن معنى ذلك أن يذاع في الناس ، وفي أهل المكان : أن فلانا قد تزوج فلانة ، زواجا شرعيا ، فليس في دخوله عليها ، ولا علاقته بها : إثم ولا ريبة ؛ ولا علاقة لذلك مطلقا بأن يكون جامعها في أول يوم ، أو ثاني يوم ، أو لم يجامعها بعد ؛ هذا لا علاقة للإعلان به ، يا عبد الله ؛ إن الإعلان إنما هو للعقد الشرعي ، وليس للجماع والسر بين الزوجين ، وهذا أمر واضح بديهي !!
ثم هب أن الوليمة إنما شرعت لإعلان السرور والبهجة ؛ فما الغريب في ذلك ، وما الذي يخالف الحكمة الشرعية ، أو العقلية أو الأخلاقية في ذلك ؟! أليس النكاح أمر بهجة ، ومناسبة فرح وسرور عند بني الإنسان جميعا ؟! فما العجب في أن يكون من مقاصد الوليمة إظهار الفرح والسرور والبهجة بذلك ، وشكر الله على هذه النعمة ؟!
ثانيا :
إذا أردت الوقوف على بعض مقاصد الوليمة وحكمها ، فقد جمعها العلامة ولي الله الدهلوي في قوله :
" كَانَ النَّاس يعتادون الْوَلِيمَة قبل الدُّخُول بهَا [ أي بالزوجة ] ، وَفِي ذَلِك مصَالح كَثِيرَة :
مِنْهَا : التلطف بإشاعة النِّكَاح ، وَأَنه على شرف الدُّخُول بهَا ؛ إِذْ لَا بُد من الإشاعة لِئَلَّا يبْقى مَحل لوهم الواهم فِي النّسَب ؛ وليتميز النِّكَاح عَن السفاح بادى الرَّأْي، ويتحقق اخْتِصَاصه بهَا على أعين النَّاس .
وَمِنْهَا : شكره مَا أولاه الله تَعَالَى من انتظام تَدْبِير الْمنزل ، بِمَا يصرفهُ إلى عباده ، وينفعهم بِهِ.
وَمِنْهَا : الْبر بِالْمَرْأَةِ وقومها ؛ فَإِن صرف المَال لَهَا، وَجمع النَّاس فِي أمرهَا ، يدل على كراماتها عَلَيْهِ ، وَكَونهَا ذَات بَال عِنْده ، وَمثل هَذِه الْأُمُور لَا بُد مِنْهَا فِي إِقَامَة التَّأْلِيف فِيمَا بَين أهل الْمنزل ، لَا سِيمَا فِي أول اجْتِمَاعهم .
وَمِنْهَا: أَن تجدّد النِّعْمَة ، حَيْثُ ملك مَا لم يكن مَالِكًا لَهُ ، يُورث الْفَرح والنشاط وَالسُّرُور، ويهيج على صرف المَال ، وَفِي اتِّبَاع تِلْكَ الداعية التمرن على السخاوة ، وعصيان دَاعِيَة الشُّح .
إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد والمصالح ؛ فَلَمَّا كَانَ فِيهَا جملَة صَالِحَة من فَوَائِد السياسة المدنية والمنزلية ، وتهذيب النَّفس والإحسان : وَجب أَن، يبقيها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرغب فِيهَا، ويحث عَلَيْهَا، وَيعْمل هُوَ بهَا .
وَلم يضبطه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدّ ، بِمثل مَا ذكرنَا فِي الْمهْر، وَالْحَد الْوسط الشَّاة، وأولم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهَا بحيس ، وَأَوْلَمَ على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير " انتهى من "حجة الله البالغة" (2/130) .
والله أعلم .
الأطعمة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب