الحمد لله.
أولا :
الواقع أيها الأخ الكريم أننا نتعجب من سؤالك ، الذي ربما بلغ درجة التنطع ، والمبالغة في أمر لا يحتاج إلى كل هذا القلق ، والتردد ؛ إن مسألة الوليمة مع أنها سنة من سنن النكاح كما ذكرت ، فهي أمر لا يختص به شرعنا ، بل ترى أن ذلك أمر يعتاده الناس في كل مكان ، وأيا ما كانت شريعتهم .
إننا لا ندري من أين جاء إلى ذهنك التلازم العجيب والغريب بين أن تكون الوليمة من شعار النكاح ، وطرق إعلانه وإذاعته بين الناس ، وبين أنه يجب على الزوج - على ذلك - أن يجامع زوجته في أول ليلة ؟! من أين فهمت ذلك الفهم الغريب ، أيها الأخ الكريم ؟!
إن معنى إعلان النكاح الذي هو شعيرة من شعارات النكاح الشرعي ، وفارق مهم بينه وبين العلاقات السرية غير الشرعية ؛ إن معنى ذلك أن يذاع في الناس ، وفي أهل المكان : أن فلانا قد تزوج فلانة ، زواجا شرعيا ، فليس في دخوله عليها ، ولا علاقته بها : إثم ولا ريبة ؛ ولا علاقة لذلك مطلقا بأن يكون جامعها في أول يوم ، أو ثاني يوم ، أو لم يجامعها بعد ؛ هذا لا علاقة للإعلان به ، يا عبد الله ؛ إن الإعلان إنما هو للعقد الشرعي ، وليس للجماع والسر بين الزوجين ، وهذا أمر واضح بديهي !!
ثم هب أن الوليمة إنما شرعت لإعلان السرور والبهجة ؛ فما الغريب في ذلك ، وما الذي يخالف الحكمة الشرعية ، أو العقلية أو الأخلاقية في ذلك ؟! أليس النكاح أمر بهجة ، ومناسبة فرح وسرور عند بني الإنسان جميعا ؟! فما العجب في أن يكون من مقاصد الوليمة إظهار الفرح والسرور والبهجة بذلك ، وشكر الله على هذه النعمة ؟!
ثانيا :
إذا أردت الوقوف على بعض مقاصد الوليمة وحكمها ، فقد جمعها العلامة ولي الله الدهلوي في قوله :
" كَانَ النَّاس يعتادون الْوَلِيمَة قبل الدُّخُول بهَا [ أي بالزوجة ] ، وَفِي ذَلِك مصَالح كَثِيرَة :
مِنْهَا : التلطف بإشاعة النِّكَاح ، وَأَنه على شرف الدُّخُول بهَا ؛ إِذْ لَا بُد من الإشاعة لِئَلَّا يبْقى مَحل لوهم الواهم فِي النّسَب ؛ وليتميز النِّكَاح عَن السفاح بادى الرَّأْي، ويتحقق اخْتِصَاصه بهَا على أعين النَّاس .
وَمِنْهَا : شكره مَا أولاه الله تَعَالَى من انتظام تَدْبِير الْمنزل ، بِمَا يصرفهُ إلى عباده ، وينفعهم بِهِ.
وَمِنْهَا : الْبر بِالْمَرْأَةِ وقومها ؛ فَإِن صرف المَال لَهَا، وَجمع النَّاس فِي أمرهَا ، يدل على كراماتها عَلَيْهِ ، وَكَونهَا ذَات بَال عِنْده ، وَمثل هَذِه الْأُمُور لَا بُد مِنْهَا فِي إِقَامَة التَّأْلِيف فِيمَا بَين أهل الْمنزل ، لَا سِيمَا فِي أول اجْتِمَاعهم .
وَمِنْهَا: أَن تجدّد النِّعْمَة ، حَيْثُ ملك مَا لم يكن مَالِكًا لَهُ ، يُورث الْفَرح والنشاط وَالسُّرُور، ويهيج على صرف المَال ، وَفِي اتِّبَاع تِلْكَ الداعية التمرن على السخاوة ، وعصيان دَاعِيَة الشُّح .
إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد والمصالح ؛ فَلَمَّا كَانَ فِيهَا جملَة صَالِحَة من فَوَائِد السياسة المدنية والمنزلية ، وتهذيب النَّفس والإحسان : وَجب أَن، يبقيها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرغب فِيهَا، ويحث عَلَيْهَا، وَيعْمل هُوَ بهَا .
وَلم يضبطه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدّ ، بِمثل مَا ذكرنَا فِي الْمهْر، وَالْحَد الْوسط الشَّاة، وأولم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهَا بحيس ، وَأَوْلَمَ على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير " انتهى من "حجة الله البالغة" (2/130) .
والله أعلم .
تعليق