الحمد لله.
الجواب :
أولاً :
إن كان عمل هذه الجمعية يقتصر على الأعمال الخيرية الإغاثية ، من إعانة الفقراء
والبؤساء والمحتاجين ، ومساعدة العجزة والأرامل والأيتام والمرضى ، وإغاثة
المنكوبين ، وغير ذلك من أعمال الخير ، فلا حرج من العمل معها ، والراتب الذي
تتقاضاه على هذا العمل مباح لا حرج فيه .
فالأعمال الخيرية الإغاثية مندوب إليها عموماً ، ولو كان القائمون عليها من غير
المسلمين ، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين في حلف الفضول ، وهو حلف
قائم على نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف .
وقال : ( لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا
أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ
لَأَجَبْتُ ) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/596) ، وينظر: " صحيح السيرة
النبوية " للألباني (ص: 35).
ثانياً :
لا حرج من دعوة المسلمين للتبرع لهذه الجمعية من أموال الصدقة العامة ، لأن الصدقة
على غير المسلمين من البر الذي أذن الله لنا فيه ، فقال : ( لَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِين ).
قال الإمام الشافعي: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى الْمُشْرِكِ مِنْ
النَّافِلَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ مِنْ الصَّدَقَةِ حقٌّ ، وَقَدْ
حَمِدَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا فَقَالَ : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) ". انتهى، " الأم " (2/65) .
قال ابن كثير : " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ( كَانَ أُسَرَاؤُهُمْ يَوْمَئِذٍ
مُشْرِكِينَ) ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ
أَصْحَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يُكْرِمُوا الْأُسَارَى ، فَكَانُوا
يُقَدِّمُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ الْغَدَاءِ ". انتهى من " تفسير ابن
كثير" (8/ 288) .
قال المرداوي : " تَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْكَافِرِ " انتهى من
"الإنصاف" (3/268) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " تجوز الصدقة على الكافر بشرط : ألا يكون ممن يقاتلوننا
في ديننا ، ولم يخرجونا من ديارنا ، لكن إذا كان قومه يقاتلوننا في الدين أو
يخرجوننا من ديارنا فلا نتصدق عليه " ، انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (100/ 32 ،
بترقيم الشاملة آليا) .
وينظر : جواب السؤال (3854).
ثالثاً :
أما الحصول على الثواب والأجر من وراء هذا العمل ، فيتوقف على نيتك وقصدك منه ، فإن
أحسنت النية وقصدت نفع الفقراء والمحتاجين وإعانتهم ، فلك الأجر من الله على ذلك .
وقد حمد الله الصحابة لإطعامهم الأسرى المشركين ، وأنه كانوا يفعلون ذلك ابتغاء
الأجر والثواب من الله ، فقال : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ
مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا
نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) الإنسان/ 9،8.
قال جمال الدين القاسمي : " والآية تدل على أن إطعام المشرك مما يتقرب به إلى الله
تعالى ، لقوله سبحانه: ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ) أي قائلين ذلك
بلسان الحال أو المقال .. فلا نقصد بإطعامكم إلا ثوابه تعالى والقربة إليه والزلفى
عنده". انتهى من " محاسن التأويل" (9/375).
وقال صلى الله عليه وسلم : (فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) رواه البخاري
(2466) ، ومسلم (2244) .
وهو صريح الدلالة في أن الصدقة على كل مخلوق حي فيها أجر وثواب من الله ، ومن أعان
على ذلك وساهم فيه ، ناله نصيبه من الأجر ، بلا شك .
رابعاً :
إذا كان لهذه الجمعية غايات ومقاصد أخرى غير الأعمال الإغاثية ، كالتبشير والدعوة
للنصرانية ، أو نشر بعض المناهج المنحرفة والفاسدة ، أو حرب المسلمين ، والسيطرة
على بلادهم ، ونهب ثرواتهم : فلا يجوز العمل معهم حينئذ بأي حال من الأحوال ، لما
في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، ويكون الراتب الذي تتقاضاه على هذا العمل
حينئذٍ سحت وحرام .
وينظر جواب السؤال (145321)
.
والله أعلم