الحمد لله.
أولاً :
هذا الحديث رواه الإمام أبو داود في سننه (2885) ، وابن ماجه (53) من طريق عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن زِيَاد ابْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْعِلْمُ
ثَلَاثَةٌ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ : آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ، أَوْ سُنَّةٌ
قَائِمَةٌ ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ ).
وقوله : ( فَهُوَ فَضْلٌ) : أي زائد لا ضرورة إلى معرفته . ينظر: "عون المعبود"
(8/66).
وهو حديث ضعيف لا يثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تصح نسبته إليه ، ففيه راويان ضعيفان.
قال المنذري: " وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ
الْإِفْرِيقِيِّ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَفِيهِ أَيْضًا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التَّنُوخِيُّ ، وَقَدْ غمزه البخاري وابن أَبِي حَاتِمٍ
". انتهى ، نقلا عن "عون المعبود" (8/ 67)
وممن حكم بضعف الحديث من الأئمة : سفيان الثوري ، والضياء المقدسي ، وابن القطان ،
وابن كثير ، والذهبي ، وابن رجب ، وابن الملقن ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ،
وتابعهم على ذلك الشيخ الألباني ، رحم الله الجميع .
ينظر: "مستدرك الحاكم" (4/ 369) ، "السنن والأحكام" للضياء (5/28) ، "بيان الوهم
والإيهام" (3/136) ، "إرشاد الفقيه" (2/125) ، "مجموع رسائل ابن رجب" (3/10) ،
"البدر المنير" (7/189) ، "تهذيب التهذيب" (6/176) ، تخريج مشكاة المصابيح" (1/160)
، "ضعيف أبي داود" (الأم ) (2/392).
ثانياً :
على فرض صحة الحديث ، فليس فيه المنع من دراسة العلوم الدنيوية ، وإنما المراد منه
بيان أن أصول علوم الدين ومسائل الشرع ترجع إلى هذه الأمور الثلاثة ، وما سوى ذلك
فهو فضل زائد لا ضرورة فيه .
قال الملا علي القاري شارحاً الحديث:
" ( الْعِلْمُ ) : أَيِ: الَّذِي هُوَ أَصْلُ عُلُومِ الدِّينِ ، وَاللَّامُ
لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ .
( ثَلَاثَةٌ ) أَيْ : مَعْرِفَةُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ .
( آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ) أَيْ : غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ ، أَوْ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا
تَأْوِيلًا وَاحِدًا .
( أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ) أَيْ: ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْمُولٌ بِهَا .
( أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ ) أَيْ : مُسْتَقِيمَةٌ .
قِيلَ : الْمُرَادُ بِهَا الْحُكْمُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
بِالْقِيَاسِ ، لِمُعَادَلَتِهِ الْحُكْمَ الْمَنْصُوصَ فِيهِمَا ، وَمُسَاوَاتِهِ
لَهُمَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ ، وَكَوْنِهِ صِدْقًا وَصَوَابًا .
وَقِيلَ : الْفَرِيضَةُ الْعَادِلَةُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ ،
وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ عِلْمُ الْفَرَائِضِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ أَرْبَعَةٌ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ ، وَيُسَمَّى الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ فَرِيضَةً
عَادِلَةً ". انتهى من "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/317) .
والله أعلم .