الحمد لله.
وقول هذا الجاهل المحرف
لكلام الله : " ولما كانت معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه , فبتتبع
معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب , نرى أنها تعني في غالبها المفارقة
والمباعدة والانفصال والتجاهل , خلافا للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب ) " فيقال
له : ألم يأت الضرب في كتاب الله وفي لغة العرب وفي صحيح السنة وفي كلام أهل العلم
بمعناه المعروف ؟! كما في قوله تعالى :
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ
الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) الأعراف/ 160 .
وقوله : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ) ص/ 44 .
وقوله : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ ) محمد/ 27 .
فلماذا لا تحمل قول الله تعالى : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) النساء/ 34 على
هذا المعنى الوارد في كتاب الله ؟! وهو المعروف في السنة وكلام علماء الأمة ؛ وهو
المتبادر لأول وهلة ؛ كما روى مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ
أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ
اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا
تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ ،
وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
فماذا يعني قوله صلى الله عليه وسلم ( فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ ) إلا
هذا الضرب المعروف ؟! أم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك لم يكن يعرف معنى
الضرب في الآية !! وأنه غاب عنه ما لم يغب عنك وعن أمثالك من الجاهلين الضالين !!
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا
طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ
الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .
رواه أبو داود ( 2142 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ )
فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ – يعني نشزن - فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ
، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ
كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ
أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ ) .
رواه أبو داود ( 2146 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال : " نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن
الضَّرْبِ في الْوَجْهِ " . رواه مسلم ( 2116 ) .
وروى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ
بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ
أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) وصححه الألباني في
"صحيح أبي داود" .
ماذا يعني الضرب في هذه الأخبار الصحيحة إلا الضرب المعروف ؟ والذي يكون على معنى
التأديب وطلب الاستقامة لا على المعنى الذي تتوهمه أنت وأمثالك من الإهانة والإذلال
.
وقول هذا الجاهل في قوله تعالى : ( فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ ) :
" والآية تحض على الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ,أي لا يجمع بين الزوجين
فراش واحد , وإن لم يجدِ ذلك فهو (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل , وهو
أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين ".
لا شك أنه يخالف النصوص التي أوردناها ، بل إنه يخالف معنى الآية ذاته ؛ لأن الآية
بدأت بالوعظ ، وثنّت بالهجر ، وثلَّثت بالضرب ، وهذا الجاهل جعل الهجر والضرب شيئا
واحدا .
وقوله : " وهو أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين " يبين ما انطوت عليه نفسه من
خبث الطوية وفساد الاعتقاد ؛ حيث جعل مَن سماهم العقلاء من غير المسلمين أهدى سبيلا
من المؤمنين الذين يأخذون بهدي خاتم المرسلين .
وقوله في معنى الضرب في قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ
كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) أنه أمر غيبي
لا نقف على كيفية حدوثه ، وأن كل ما يحدث يوم الحساب إنما ورد في القرآن على نحو
تمثيلي – قول محرف لكتاب الله سفيه أرعن ، ينتصر لرأيه بالمقالات الفاسدة والآراء
الضالة والأقوال التي لا تعرف إلا عن أهل الأهواء والبدع .
فهو يريد أن يجعل كل ما ورد في كتاب الله عن الغيب أمرا تمثيليا لا حقيقة له !!
فكيف إذاً يفهم هذا الضال دخول المؤمنين الجنة وتنعمهم فيها ، ودخول الكافرين النار
وعذابهم فيها ؟
كيف يفهم قول الله تعالى : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ *
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا
الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ
* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) التكوير/ 1 – 13
إن هذا هو مذهب اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويبدلون كلام الله ،
ويزيلونه عن المراد به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ
بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ هَذِهِ أَمْثَالٌ ضُرِبَتْ لِنَفْهَمَ
الْمَعَادَ الرُّوحَانِيَّ ، وَهَؤُلَاءِ مِثْلُ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ
الَّذِينَ قَوْلُهُمْ مُؤَلَّفٌ مِنْ قَوْلِ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئَةِ وَمِثْلُ
الْمُتَفَلْسِفَةِ الصَّابِئَةِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَطَائِفَةٍ
مِمَّنْ ضَاهُوهُمْ : مِنْ كَاتِبٍ أَوْ مُتَطَبِّبٍ أَوْ مُتَكَلِّمٍ أَوْ
مُتَصَوِّفٍ كَأَصْحَابِ " رَسَائِلِ إخْوَانِ الصَّفَا " وَغَيْرِهِمْ أَوْ
مُنَافِقٌ . وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 /314) .
وقد أمر الله في كتابه
بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ومعاشرتها بالمعروف ، وبين أن لها حقوقا على زوجها
كما أن له حقوقا عليها .
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ، بل جعل خير الناس
من يحسن إلى أهله ، فقال : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ
لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"
.
وإذا نشزت المرأة على زوجها وعصت أمره سلك معها سبيل الوعظ والتذكير ، فإن لم يفد
سلك معها سبيل الهجر في المضجع ، فإن لم يفد ضربها ضرب تأديب وتعليم ، لا انتقام
وإيذاء ، فليس المقصود إهانتها وإيذاؤها كما يظن هذا الضال وأمثاله ، وإنما المقصود
الإصلاح والتقويم ؛ فإن من النساء من لا يقومهن إلا الضرب والتهديد ، ومن لا تحتاج
إلى شيء من ذلك فلا سبيل لأحد عليها ، لا الزوج ولا غيره .
وهؤلاء القوم لا يلتفتون إلى الفساد الذي يستشري في البيوت بسبب المعاصي وخلاف أمر
الله ورسوله ، فلا ينكرون التبرج ولا العلاقات المحرمة ولا سوء التربية للأولاد وما
يؤدي ذلك إليه من الديوثة أو الانحلال الخلقي أو الطلاق أو غير ذلك من الفساد
العظيم الذي تعاني منه هذه البيوت التي لا تقوم على شرع الله ، كل ذلك لا يلتفتون
إليه ، إنما يلتفتون إلى هذا الإرشاد الرباني بالضرب للتأديب والذي كثيرا ما يمنع
حصول الشر ووقوع الفتنة ، فينكرونه بدعوى الحرية والحضارة والتخلص من الأساليب
الرجعية في التعاملات الأسرية ، وانظر بعد ذلك إلى ما خلفته تلك الحضارات الزائفة
والدعاوى الباطلة من الفتنة والشر والفساد العريض .
راجع لتمام الفائدة جواب
السؤال رقم : (147929)
، (150762) .
والله تعالى أعلم .