الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

ضرب الزوجة ، أنواعه ، وأحكامه ، وآثاره

150762

تاريخ النشر : 05-05-2010

المشاهدات : 586868

السؤال

أنا امرأة متزوجة منذ 12 سنة ، أعيش في سعادة ، ولله الحمد ، زوجي ملتزم ، وفي حالة مادية جيدة ، لكن لديه تقصير في بعض العبادات الواجبة ، منذ ثلاث سنوات طرأت علينا مشكلة قلبت حياتي رأساً على عقب ، وكان زوجي المسبب لها ، والمشكلة في مجملها تقوم على تبادل زوجي رسائل الجوال التي لا تليق به كملتزم ، وكرجل متزوج ( يعني أقصد أن الرسائل فيها كلام لا يقال إلا للزوجة ) وكان يتبادلها بل ويرسل أغلبها لابنة أخيه غير المتزوجة ، والتي هي في عمره . اكتشفت هذا الموضوع بقدرة الله ، وحدثت بيننا مشاكل عنيفة ، وكان زوجي في الغالب يظهر منه الندم على ما فعل ، ولكنه بعد فترة من الزمن يعود ، وبسبب هذه المرأة ، زوجي رجل كريم ، وطيب ، ويحبني ، ويحب أهلي ، ولكنه عصبي جدّاً ، وعنده تقصير في عباداته ، وخاصة الصلاة ، لا أريد أن أشرح مزيداً من المشاكل ، وسأعرض عليك المشكلة التي وقعت فيها الآن ، لم يضربني زوجي في حياته إلا بخصوص هذا الموضوع ، فقد ضربني مرتين ، وكلها عنيفة ، وكانت المشكلة بخصوص ابنة أخيه هذه. لقد حدثت مشكلة بيننا ، ولي الحق أن أغضب منه ، لكنني أخطأت على زوجي في الأسلوب ، ورفعت صوتي عليه ، وأنا أعترف بذلك ، لم تطل المجادلة ، فقد قام زوجي بسحبي إلى غرفة النوم ، وبدأ بالضرب الشنيع . لقد ضربني ضرب الحيوانات ، فهو ضخم الجسم ، قوي البنية ، فانهال عليَّ ضرباً بكل قوة ، حيث قفل باب الغرفة لكي لا أهرب منه ، وضربني لمدة عشرين دقيقة ، أو تزيد ، ضرباً موجعاً ومبرحاً ، وبكل قوة وشراسة ، وبدون خوف من أن يحدث لي مكروه من ذلك ، على العموم كنت أقاوم ، ولكني لم أستطع الفرار ، وبعد الضرب الموجع لا تسألني يا فضيلة الشيخ عن الآثار التي تركها عليَّ ، والله الذي لا إله إلا هو أنه في كل شبر من جسمي أثر لضربة ، أو لعضة ، أو لحقن دم ، أو رضوض ، ناهيك عن آلام المعدة التي أمسيتُ أصرخ منها نتيجة لتلك الجموع القوية التي كان يضربني بيده على بطني ، وينتظرني إلى أن ألتقط أنفاسي فيضربني آخر ، وآخر ، بدون رحمة ، كنت أصرخ بشدة ، وأبنائي سمعوني ، وعرفوا أن والدهم يضربني ، لقد كان وجهي كوجوه المعذبين ، وكله حقن دماء ، ورضوض قوية في الجبهة ، في الصباح أوقظت أولادي للمدرسة ، وكانت المصيبة لقد رأوا وجهي ، وأخذوا يبكون ؛ لأنهم عرفوا سببها من صراخي ، ومن صوت والدهم عليَّ ، لم يكن الموقف إلا أن ابنتي الكبرى وهي في الصف الخامس ابتدائي سألتني : أنا أعلم أن أبي ضربك ، لكن بماذا ضربك على وجهك ؟ أجبتها بالحقيقة : ضربني بيده كفوف على وجهي . لقد مرضت ثلاثة أيام ، وارتفعت درجة حرارتي حتى 38,5 درجة من شدة آلام الرضوض ، والله ، والله ، والله لم أستطع التحرك والقيام إلا بعد تناولي أقوى المسكنات ، أما زوجي فقد سافر بعد عودته من العمل دون أن ينظر فيَّ وأنا ملقاة على السرير ، ولم يذهب بي إلى المستشفى ، بل وحتى في سفره لم يسأل عني مطلقاً ، وبعد يومين من ضربي زارنا أمي وأخي ، ونزلوا على بيت شقيقي فنحن في سفر عنهم ، أصروا على المجيء عندهم في بيت أختي ، وبحجة سفر زوجي لم أستطع أن أمانع ، فأمي في سفر عني ، وأنا لم أرها منذ فترة ليست بطويلة ، فكرت فيما أقوله لهم ، فسوف يرون الآثار على وجهي ، اكتأبت ، وضاقت بي الدنيا ، فأنا لا أريد أن أخبرهم بشيء مما حدث ، لأني لا أريد أن تحمل أمِّي همِّي في قلبها ، ولأني لا أريدهم أن يحقدوا على زوجي ، أو يشعروا بأني لست سعيدة ، لكن لابد من الذهاب ، ذهبنا ، وحاولت إخفاء الآثار التي على وجهي لكن لا محالة فهي ظاهرة جدّاً بوضوح ، اضطررت للكذب عليهم بحجة أنه من حمام البخار والكريم السيئ الذي عملته لوجهي . أنا الآن لي قرابة الشهر والآثار لم تختفِ مني بعد ، وأنا نافرة من زوجي بشدة ، لم أمنعه من نفسي ، لأنه لا يجوز شرعاً ، مع أنه يقول : إنه لم يرد به إلا إهانتي ، لكني نافرة منه ، وأعامله بجفوة ، فكلما حاولت التقرب منه تذكرت فعله الشنيع فيّ ، فابتعدت عنه ، ونفرت منه ، خصوصاً أنه يقول لي : إنه منتصر بفعله هذا ، وإنه لم يخطئ بضربه لي بهذه الطريقة ، ويهددني بضربة مثلها ، فكيف لي أن تعود له نفسي يا فضيلة الشيخ ؟ الحمد لله على كل حال . والسؤال الآن : هل يجوز ضرب المرأة وإن أخطأت بهذه الطريقة ؟ وضربها على الوجه هل يجوز ؟ وكذبي على أهلي هل هو جائز لدفع الضرر ؟ . ثانياً : ما موقفي من زوجي الآن ؟ وهل معاملتي له بما ذكرت جائزة ؟ علماً بأن زوجي مقصر جدّاً في الصلاة فهو لا يصلي الفجر يوميّاً تقريباً إلا بعد طلوع الشمس حينما يستيقظ لعمله . ثالثاً : أنا أوقظ زوجي لصلاة الفجر يوميّاً ، لكنه لا يجيب النداء ، هل أتركه ؟ وهل علي إثم إن لم أوقظه ، مع أنه يستيقظ للعمل وحده ، حتى ولو لم أوقظه ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

قد وقع هذا الزوج – على حسب ما ورد في السؤال – في كثير من المخالفات ، ويستحق الأمر أن نقف معها ، فلعلَّ الله أن يغيِّر حاله ، وحال من هو مثله إلى أحسن منها ، ومن هذه المخالفات الشرعية في فعله :

1. مخالفة الأمر في المعاشرة بالمعروف .

وقد أمر الله تعالى الزوج بمعاشرة زوجته بالمعروف نصّاً ، فقال عز وجل : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 .

2. الوقوع في إثم الظلم .

والظلم محرّم في الكتاب والسنَّة ، وضرب الرجل لامرأته من غير مسوغ : ظلم بيِّن ، والظلم ظلمات على صاحبه يوم القيامة .

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ) .

رواه مسلم ( 2577 )

قال ابن جرير الطبري - رحمه الله - :

والصواب من القول في ذلك عندنا أنه غير جائز لأحدٍ ضرب أحد من الناس ، ولا أذاه ، إلا بالحق ؛ لقول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 ، سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها ، أو كان مملوكا أو مملوكة وضاربه مولاه ، أو كان صغيراً وضاربه والده ، أو وصي والده وصَّاه عليه .

" تهذيب الآثار " ( 1 / 418 ) .

3. مخالفة الأمر بعدم الضرب المبرح .

عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .

رواه مسلم ( 1218 ) .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 10 / 24 ) :

ويجب أن يكون الضّرب غير مبرّح ، وغير مدمٍ ، وأن يتوقّى فيه الوجه والأماكن المخوفة ، لأنّ المقصود منه التّأديب لا الإتلاف ؛ لخبر : ( إنّ لكم عليهنّ ألاّ يوطئن فُرُشَكم أحداً تكرهونه ، فإنْ فعلنَ فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّح ) .

ويشترط الحنابلة ألاّ يجاوز به عشرة أسواط ؛ لحديث : ( لا يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلاّ في حدّ من حدود اللّه ) .

انتهى .

وليعلم الزوج – وغيره – أن من ضرب غيره سوطاً بغير حق : فإنه متوعد عليه بالعقوبة يوم القيامة .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة ) .

قال الهيثمي – رحمه الله - :

رواه البزار والطبراني في " الأوسط " ، وإسنادهما حسن .

" مجمع الزوائد " ( 10 / 353 ) .

وهو في الطبراني في " الكبير " ، وحسَّنه المنذري ، وصححه الألباني ، انظر " صحيح الترغيب والترهيب " ( 2291 ) .

4. الضرب على الوجه

عَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .

قَالَ أَبُو دَاوُد : وَلَا تُقَبِّحْ : أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ .

رواه أبو داود ( 2142 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال : نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ.

رواه مسلم ( 2116 ) .

قال النَّوَوِيُّ - رحمه الله - :

وأما الضرب في الوجه : فمنهيٌّ عنه في كل الحيوان المحترم ، مِن الآدمي ، والحمير ، والخيل ، والإبل ، والبغال ، والغنم ، وغيرها ، لكنه في الآدمي أشد ؛ لأنه مجمع المحاسن ، مع أنه لطيف ؛ لأنه يَظهر فيه أثر الضرب ، وربما شانه ، وربما آذى بعض الحواس .

" شرح  مسلم " ( 14 / 97 ) .

وهذا الذي حصل من الزوج هو من هذا الباب ، فقد وقع ضربه على وجهها حتى شانه ، وربما أثَّر ضرب رأسها على دماغها ، وسمعها .

6. أنه لجأ إلى الضرب قبل الوعظ والهجر في المضجع .

وقد ذكر الله تعالى ما ينبغي للزوج فعله إن أراد تقويم امرأته ، فبدأ بالوعظ ، وثنى بالهجر في المضجع ، وثلَّث بالضرب ، واللجوء إلى الضرب مخالف لهذا الترتيب لو كان ضرباً موافقاً للشرع ، فكيف وهو مخالف له أصلا في كمه وكيفه ؟! .

قال تعالى : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/ من الآية 34 .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 10 / 23 ، 24 ) :

طرق تأديب الزّوجة :

أ. الوعظ .

ب. الهجر في المضجع .

ج. الضّرب غير المبرّح .

وهذا التّرتيب واجب عند جمهور الفقهاء ، فلا ينتقل إلى الهجر إلاّ إذا لم يجد الوعظ ، هذا لقوله تعالى : ( واللّاتي تخافون نشوزَهنّ فعِظُوهنّ واهجروهنّ في المضاجِع واضربوهنّ ) . جاء في " المغني " لابن قدامة : في الآية إضمار تقديره : واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ ، فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهنّ .

وذهب الشّافعيّة - في الأظهر من قولين عندهم - إلى أنّه يجوز للزّوج أن يؤدّبها بالضّرب بعد ظهور النّشوز منها بقول أو فعل ، ولا ترتيب على هذا القول بين الهجر والضّرب بعد ظهور النّشوز ، والقول الآخر يوافق رأي الجمهور .

انتهى

7. التسبب في سوء تربية الأولاد .

حيث وقع الضرب على أمهم بمسمعٍ منهم ، وحيث رأوا آثار الضرب على وجهها وجسمها ، فأي تربية يمكن أن يربيَّها هذا الأب لأولاده ؟ وكيف سيتعلَّم هؤلاء احترام والدهم وتقديره ومحبته ؟! .

رابعاً:

كان هديه صلى الله عليه وسلم أكمل هدي ، فلم يضرب في حياته كلها صلى الله عليه وسلم خادماً ، ولا امرأة من نسائه رضي الله عنهن .

عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قالت : ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل .

رواه مسلم ( 2328 ) .

قال النووي - رحمه الله - :

فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحاً للأدب : فتركه أفضل .

" شرح مسلم " ( 15 / 84 ) .

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن ترك ضرب النساء هو فعل الخيار من الناس .

عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ) فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ ) .

رواه أبو داود ( 2146 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

ذئِرنَ : أي : نشزْن وساءت أخلاقهن .

وفي " عون المعبود " ( 6 / 130 ) :

بل خياركم من لا يضربهن ، ويتحمَّل عنهن ، أو يؤدبهن ولا يضربهن ضرباً شديداً يؤدي إلى شكايتهن .

انتهى

وينظر للمزيد " اللمعة في حكم ضرب الزوجة " للشيخ نايف بن أحمد الحمد ، وقد استفدنا منه في الجواب .

خامساً:

ليعلم هذا الزوج أن أشنع مخالفاته وأشدها إثماً وعقوبة : هو صلاته الفجر بعد خروج وقتها ، وكل ما فعله من آثام ومنكرات لا يصل للكفر المخرج من الملة ، بخلاف هذا الفعل ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من تعمد إخراج الصلاة عن وقتها من غير عذرٍ ، وأقل أحواله أنه كبيرة من كبائر الذنوب ، ويكفيه قبحاً أن يفعل فعلاً اختلف فيه أهل العلم على قولين أنه مخرج من الملة أو ليس بمخرج ، كما ينبغي التنبه إلى أنه لا تُقبل منه صلاته بعد خروج وقتها ، ولو أداها ألف مرة !

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :

أنا حريص على أن لا أترك الصلاة ، غير أني أنام متأخراً ، فأوقِّت منبه الساعة على الساعة السابعة صباحاً - أي : بعد شروق الشمس- ثم أصلي وأذهب للمحاضرات ، أما في يومي الخميس والجمعة : فإني أستيقظ متأخراً ، أي : قبل صلاة الظهر بساعة أو ساعتين ، وأصلي الفجر بعدما أستيقظ ، كما أنني أصلي أغلب الأوقات في غرفتي في السكن الجامعي ، ولا أذهب إلى المسجد الذي لا يبعد عنِّي كثيراً ، وقد نبهني أحد الإخوة إلى أن ذلك لا يجوز ، فأرجو من سماحة الوالد إيضاح الحكم فيما سبق ، جزاكم الله خيراً .

فأجاب :

مَن يتعمد ضبط الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها : فهذا قد تعمَّد ترْكها في وقتها ، وهو كافر بهذا عند جمع كثيرٍ من أهل العلم كفراً أكبر - نسأل الله العافية - لتعمده ترك الصلاة في الوقت ، وهكذا إذا تعمد تأخير الصلاة إلى قرب الظهر ثم صلاها عند الظهر ، أي : صلاة الفجر .

أما مَن غلبه النوم حتى فاته الوقت : فهذا لا يضره ذلك ، وعليه أن يصلِّي إذا استيقظ ، ولا حرج عليه إذا كان قد غلبه النوم ، أو تركها نسياناً ، مع فعل الأسباب التي تعينه على الصلاة في الوقت ، وعلى أدائها في الجماعة ، مثل تركيب الساعة على الوقت ، والنوم مبكراً .

أما الإنسان الذي يتعمد تأخيرها إلى ما بعد الوقت ، أو يضبط الساعة إلى ما بعد الوقت حتى لا يقوم في الوقت : فهذا عمل متعمَّد للترك ، وقد أتى منكراً عظيماً عند جميع العلماء ، ولكن هل يكفر أو لا يكفر ؟ فهذا فيه خلاف بين العلماء : إذا كان لم يجحد وجوبها : فالجمهور يرون : أنه لا يكفر بذلك كفراً أكبر .

وذهب جمعٌ مِن أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك كفراً أكبر يخرجه من الملة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه الإمام مسلم في صحيحه ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن الأربع بإسنادٍ صحيحٍ ؛ ولأدلة أخرى ، وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ؛ لقول التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي : " لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة " ، وأما ترك الصلاة في الجماعة : فمُنكر لا يجوز ، ومن صفات المنافقين .

والواجب على المسلم أن يصلي في المسجد في الجماعة ، كما ثبت في حديث ابن أم مكتوم - وهو رجل أعمى - أنه قال : ( يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه ، فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال نعم قال فأجب ) أخرجه مسلم في صحيحه ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر ) أخرجه ابن ماجه ، والدارقطني ، وابن حبان ، والحاكم بإسناد صحيح ، قيل لابن عباس : ما هو العذر ؟ قال : " خوف أو مرض " ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " لقد رأيتُنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق أو مريض ".

والمقصود : أنه يجب على المؤمن أن يصلي في المسجد ، ولا يجوز له التساهل والصلاة في البيت مع قرب المسجد، والله ولي التوفيق .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 10 / 374 - 376 ) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

عن حكم من يضع توقيت الساعة لموعد الدوام الرسمي ، ويصلي الفجر في هذا الوقت ، سواء السابعة أو السادسة والنصف ؟ هل هو آثم في ذلك ؟ وما حكم صلاته ؟ .

فأجاب :

هو آثم في ذلك ، بلا شك ، وهو ممن آثر الدنيا على الآخرة ، وقد أنكر الله ذلك في قوله تعالى : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) .

وصلاته هذه ليست مقبولة منه ، ولا تبرأ بها ذمته ، وسوف يحاسب عنها يوم القيامة ، وعليه أن يتوب إلى الله ، وأن يصليها مع المسلمين ، ثم ينام بعد ذلك إلى وقت الدوام ، إن شاء .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / جواب السؤال 12 ) .

سادساً :

ليس للرجل أن يخاطب أو يراسل محارمه بالعبارات العاطفية التي لا تقال إلا للزوجة ، لما في ذلك من الفتنة والشر ، لا سيما إذا كانت المرأة شابة أوغير متزوجة ، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع المفضية إلى الحرام ، وقد نص أهل العلم على تحريم النظر إلى المحارم بشهوة ، وهكذا اللمس ، وسائر ما يفضي إلى الشهوة ، وما يكون منها بسبيل .

وينظر جواب السؤال رقم (114702) ورقم (12879) .

سابعاً:

أمام ما ذكرت من حالك وحال زوجك ، وطول العشرة بينكما ، وأنه كريم طيب يحبك ويحب أهلك ، وأنه لم يضربك إلا بخصوص هذه المشكلة ، فإننا نوصيك بالصبر والإحسان إلى زوجك ، والحرص على بقاء الألفة والمحبة بينكما ، والعفو والصفح عما أصابك فإن في ذلك الأجر والرفعة لك ، فما زاد عبدٌ بعفو إلا عزاً.

وقد دعا الله عباده إلى العفو ورغبهم فيه فقال : ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) .

وقد أحسنت في عدم إخبار أهلك بما حدث بينكما ، وكان لك أن تستعملي التورية ، لا الكذب ، والمرأة العاقلة تحافظ على بيتها ، وتستر زوجها ، وتسعى لحل مشاكلها بنفسها حتى لا تزيدها اتساعاً وتشعباً .

وينبغي أن تعيني زوجك على أداء صلاة الفجر في وقتها ، وأن تحذريه من التهاون فيها وعدم اتخاذ الأسباب للقيام لها ، ولو نقلت له ما ذكرنا من كلام أهل العلم برفق ورحمة كان حسناً .

كما ينبغي أن تأخذي بيد زوجك إلى تحكيم الشرع والامتثال له في جميع ما يعرض لكما ، وهذا من أعظم أسباب السعادة والاستقرار الأسري ، فترغيبه في سؤال أهل العلم عما شجر بينكما ، ليحكم حكم الشرع في ذلك ، كما قال تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)فليسأل أهل العلم عن هذه المراسلات وما تقتضيه من عبارات ، ليعلم الصواب من الخطأ، وظننا أن إنساناً ملتزم لن يعرض عن ذلك فإن أُسس الالتزام ورأسه تحكيم الشرع.

نسأل الله تعالى لنا ولكم الهداية والتوفيق والسداد .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب