الحمد لله.
أولاً :
يجوز للإنسان أن يقسم ماله في حياته ، بشرط ألا يقصد
الإضرار ببعض الورثة .
قال المرداوي في " الإنصاف " (7/142) : " لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده ، على
الصحيح من المذهب ، وعنه: يكره ، ( يعني : عن الإمام أحمد قول آخر بالكراهة ) قال
في الرعاية الكبرى : يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته ، إذا أمكن أن يولد
له " انتهى .
وتكون القسمة على ما جاء في الشرع ، فللذكر مثل حظ الأنثيين .
ثانياً :
إذا قسم أحد ماله بين ورثته في حياته فلا يخلو من
حالين:
الحال الأولى : أن يعطي كل فرد نصيبه ويملكه إياه فمثل هذا يكون له حكم العطية ،
ويشترط فيه العدل بين الأولاد ، وإعطاء الذكر ضعف ما للأنثى ، إلا أن يرضى الأولاد
بالتفاضل رضاً صريحاً لا يحمل عليه الحياء .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : أنا عندي من
الأولاد بنت واحدة ، وأملك بيتاً من طابقين ، ولي إخوان ، فهل أستطيع أن أمنح بنتي
جزءاً من البيت ، أم هذه المنحة تؤثر على حق الورثة ، وبالتالي تكون المنحة حراماً
؟
فأجابت : " إذا كان منحك للجزء من بيتك لابنتك منجّزاً ولم تقصد حرمان بقية الورثة
بأن قبضتْه في الحال ، وملكت التصرف فيه- فلا بأس بذلك ؛ لأن هذا من باب العطية ،
وإن كان منحك لها بالوصية فهذا لا يجوز ؛ لأنه لا وصية لوارث ، لما ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : (لا وصية لوارث)" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة"
(16/213) .
والذي يظهر والعلم عند الله من سؤالك أنك لا تريدين
تمليك أطفالك نصيب كل واحد منهم ، وعليه فيكون ذلك من باب الوصية ، والوصية للوارث
منهي عنها شرعا ، ولا يُحتاج إليها بعد ما أعطى الله كلا نصيبه المفروض ؛ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ
فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) رواه أبو داود (2870) وغيره وصححه الألباني في " صحيح
الجامع" رقم (1789) .
فإن حصل وأوصى صاحب المال بشيء منه لبعض ورثته ، فللباقين الحق في إمضاء الوصية أو
ردها .
والذي ننصحك به ترك أمر تقسيم أموالك في حال حياتك لما قد يوقع ذلك من الحزازات بين
أولادك ، ثم من يدري ، فلعل الله يرزقك بأولاد آخرين سوى من عندك الآن ، ولعله أن
يكون لك عند موتك ورثة سوى أولادك ، ثم لعلك تحتاجين إلى بعض مالك في حياتك ، فلا
يمكن التصرف فيه بعض ما قسمته على أولادك .
ولأجل هذا كله ، وغيره من العوارض التي تعرض للإنسان في حياته ، ننصحك ألا تقسمي
شيئا من أموالك الآن على أولادك الصغار ، ودعي الأمور تجري في مسارها الطبيعي
المعتاد ، واستعيني بالله ، والجئي إليه في صلاح ذريتك وحفظهم في حياتك وبعد مماتك
.
وينظر جواب السؤال رقم (10447)
.
ثالثا :
إذا أعطى أحد الوالدين ولده هدية أو نحوها بقصد الهبة وتمليك الولد إياها فقد انتقل
ملكها للولد ، ولا مانع من استخدامها من قبل الوالدين بشرط حاجتهما لذلك ، وانتفاء
الضرر عن الولد ، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : " أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ
مَالِي ، فَقَالَ : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) " رواه ابن ماجه ( 2291 ) وابن
حبان في صحيحه ( 2 / 142 ) من حديث جابر ، و ( 2292 ) وأحمد ( 6902 ) من حديث عبد
الله بن عمرو .
ورواية أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:" أَتَى
أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ
أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي ، قَالَ : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ ،
إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ
مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا ) .
وله طرق وشواهد يصح بها .
انظر : " فتح الباري " ( 5 / 211 ) ، و " نصب الراية " ( 3 / 337 ) .
وللاستزاده يراجع سؤال رقم : (9594).
والله أعلم .