الحمد لله.
ثانيا :
الواجب على المسلم إذا سمع أو رأى شيئاً من الاستهزاء بالدين أن ينكر على قائله
وفاعله إنكاراً شديداً ، فإن لم يستجب له لزمه مغادرة المكان الذي هو فيه ، قال
تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ
اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ، فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ، إِنَّ اللَّهَ
جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا )النساء/140 .
وأما التبسم والضحك عند سماع مثل هذا الكلام ، فيجعل صاحبه شريكا للقائل في الإثم
إن كان عن رضاً وقبول ، كما قال تعالى : (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) ، وإن لم
يكن عن رضا وقبول ، فهو معصية كبيرة تدل على عدم تمكن تعظيم الله وشعائره من قلبه .
والواجب على المسلم أن يعظم شعائر دين الله وآيات الله ، كما قال تعالى : (وَمَنْ
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
قال السعدي رحمه الله :
" أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف
لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة " انتهى من "تفسير السعدي" (ص342) .
والواجب عليك أن تتوب إلى
الله تعالى من مداهنة هذا المدير في قولته ، وعدم إنكار ذلك عليه ، أو ترك المكان
الذي هو فيه ، مع المداومة على فعل الطاعات والتقرب إلى الله بأنواع القرب .
وأما الاستنكار بالوجه ، بعد ما تبسمت أولا ، فهذا غير كاف ؛ أولاً : لأنك قادر على
أن تنكر عليه ذلك بلسانك ، مع الرفق ومراعاة العلاقة بينكما ، لكن التوجيه الهادئ
واللفتة السريعة إلى مثل ذلك ، لا نعتقد أن فيها مشكلة أو صعوبة ، أو أن ضررا
سيترتب عليها .
فاجتهد الآن في نصح هذا
الرجل ، وتنبيهه إلى خطر ما وقع فيه وشناعة ما قاله ، ولو على سبيل اللعب والمزاح ،
وقد ذكرنا بعض الأدلة على كفر من نطق بالكفر ، ولو على سبيل اللعب ، ومن هذا الكفر
دعوى إنسان أنه نبي ، أو أنه سيصير نبيا بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد
سبقت الإشارة إلى بعض الأدلة على ختم النبوة .
وينظر جواب السؤال (113393)
ورقم (4060) .
وقد سئل علماء اللجنة
الدائمة :
بعض الناس يقول الكلام قد يؤدي إلى الكفر أو الفسق ، ويقول: إنني أمزح ، فهل مزاحه
به صحيح في رفع الحرج أم لا ؟
فأجابوا : " يحرم المزح تحريما شديدا بما فيه كفر أو فسق ، قال الله تعالى: (
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) ، وتجب التوبة من ذلك العمل والاستغفار، عسى
الله أن يتوب على فاعله " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /50) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" الذي يسب الدين لا شك في كفره ، وكونه يدعي أنه مستهزئ وأنه لاعب وأنه ما قصد هذا
لا ينفي كفره ، كما قال الله تعالى عن المنافقين: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ ) .
ثم نقول له : إذا كنت صادقاً في أنك تمزح أو أنت هازل لست بجاد فارجع الآن وتب إلى
الله ، فإذا تبت قبلنا توبتك ، تب إلى الله وقل : أستغفر الله مما جرى ، وارجع إلى
ربك ، وإذا تبت ولو من الردة فإنك مقبول التوبة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب"
(14 /28) .
راجع جواب السؤال رقم : (175838) .
والله تعالى أعلم .