الحمد لله.
ولا شك أن هذه الخرافة
السمجة لا يصدقها عاقل ، وعلامات الكذب عليها واضحة ظاهرة : منها :
أولا : يزعم هؤلاء أن هذه الخرافة حصلت زمان الخليفة العبيدي المعز لدين الله
الفاطمي ، والمعز توفي سنة 365 هجرية ، بينما يزعم هؤلاء أن هذه الخرافة حصلت سنة
368 هجرية بنص كتبهم ، أي بعد وفاة المعز بثلاث سنين ! .
ثانيا : يزعم هؤلاء أن هذه الخرافة حصلت زمان البابا إبرام بن زرعة السرياني ، وفي
نصوص كتبهم أن هذا البابا توفي سنة 970 ميلادية ، بينما يزعمون أن هذه الأكذوبة
حصلت يوم 27 نوفمبر سنة 979 ، أي بعد وفاة هذا البابا بتسع سنوات !
وهم لا يختلفون في أن هذه الأكذوبة حصلت زمان المعز وزمان البابا إبرام .
فهذا الاختلاف في التواريخ يثبت صريح كذبهم وإفكهم .
ثالثا : كثير من النصارى لا يصدق هذه الأكذوبة ، ولذلك لم تذكر في كثير من كتبهم
التاريخية ، وهذا كتاب " تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية " وهو من أشهر الكتب
التي تؤرخ للكنيسة القبطية ، لم يذكر فيها هذا الخبر المكذوب ، كما أن المؤرخين
الأوربيين لم يذكروها في كتبهم ، وما ذلك إلا لظهور افتضاحها واختلاقها .
رابعا : لو كانت هذه الحادثة حصلت فعلا ، وكان المعز العبيدي تنصر ومن معه ممن رأى
هذه الأكذوبة كما يدعون ، لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، ولكن شيئا
من ذلك لم يحدث ، وإنما انفرد بذكرها من لا يعرف عنه إلا الكذب والاختلاق من هؤلاء
النصارى .
خامسا : المعروف تاريخيا أن النصارى ذاقوا الهوان في زمن الخلافة العبيدية ، وخاصة
زمن الحاكم بأمر الله ، الذي سامهم سوء العذاب ، وزاد على الشروط العمرية تنكيلا
بهم وخرب كنيسة القمامة وهي من أشهر كنائسهم ، وأباح للعامة ما فيها من الأموال
والأمتعة وغير ذلك .
ينظر : " البداية والنهاية " (11/390) .
فلو كان ما يزعمون حقا لأذعن
لهم الناس ولما اضطهدهم الحاكم وهو حفيد المعز لدين الله .
سادسا : ذكر هؤلاء النصارى أن حدوث هذه ﺍﻟﺨﺭﺍﻓﺔ ﺃﺩﻯ إلى تسمية ﺠﺒﻝ ﺍﻟﻤﻘﻁﻡ ﺒﻬﺫﺍ
ﺍلاﺴﻡ ، ﻷﻥ ﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻘﻁﻡ : ﺍﻟﻤﻘﻁﻊ ، وهذا مشهور عندهم ، وهذا من الباطل الذي لا شك
فيه ، وهو مما يدل بالقطع على كذبهم ؛ فاسم هذا الجبل معروف قبل ذلك التاريخ بسنين
طويلة ، وقد ذكره باسمه هذا غير واحد من السابقين ، منهم عبد الله بن لهيعة عالم
أهل مصر المتوفى سنة 174 هجرية ، ومنهم محمد بن سعد صاحب " الطبقات الكبرى "
المتوفى سنة 230 هجرية ، ومنهم الجاحظ المتوفى سنة 255 هجرية ، ومنهم أبو الفرج
الأصبهاني صاحب كتاب " الأغاني " المتوفى سنة 356 .
سابعا : المعروف في دين النصارى ولعهم الشديد بالمرائي والأحلام ، فتجد الواحد فيهم
لا يتورع أن يفترى الكذب ويقول : رأيت العذراء في نومي وهي تأمرني بكذا وكذا ،
ورأيت القس الفلاني ، والبابا الفلاني ، وهذا هو دينهم ، وعنهم أخذ غلاة الصوفية
هذه المرائي المكذوبة المفتراة التي يحلون بها ما حرم الله ، بل ويقيمون بها الشرك
مقام التوحيد ، فتجد الواحد فيهم يزعم أنه رأى الولي الفلاني وهو يقول له : ابن لي
ضريحا بمكان كذا ، فينشر هذا الجاهل ما أوحى به الشيطان إليه في منامه ، ويصدقه
كثير من أهل الضلال ، وهكذا ينتشر الفساد في الأرض ، ويسعى هؤلاء في إطفاء نور
النبوة بهذه الطريقة .
والخلاصة : أن هذه الأكذوبة
قد انفرد بذكرها هؤلاء الكذبة الذين لا يتورعون عن الكذب على الله تعالى ورسله صلى
الله عليهم وسلم ، فلا يجوز لأحد أن يصدق هذا الإفك المبين ، وعلى العاقل أن لا
يلتفت إلى مثل ذلك .
ولمزيد الفائدة يراجع كتاب : " نقل جبل المقطم : معجزة أم خرافة ؟ " للدكتور علي
السالوس .
ثانيا :
الاستدلال بقوله تعالى : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ
تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) النمل/ 88 على بطلان هذه الأكذوبة غير صحيح ؛ لأن الآية
إنما تتحدث عن حال الجبال يوم القيامة وليس في الدنيا .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي : تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب ، أي : تزول
عن أماكنها ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ
الْجِبَالُ سَيْرًا ) الطور/ 9 ، 10 ، وقال ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ
فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى
فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) طه: 105، 107، وقال تعالى: ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ
الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً ) الكهف/ 47 " انتهى من " تفسير ابن كثير "
(6/217) .
وهذه الآيات التي ذكرها ابن كثير رحمه الله إنما تتحدث عن حال الجبال يوم القيامة وبهذه الآيات فسَّر الآية التي معنا .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" قوله تبارك وتعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) أي : يوم
القيامة ولا شك ، ومن فسرها : بأن ذلك في الدنيا ، وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد
حرف الكلم عن مواضعه ، وقال على الله ما لا يعلم " انتهى من " لقاء الباب المفتوح "
.
ثالثا :
الدولة العبيدية التي تسمى بالدولة الفاطمية تنتسب إلى الإسلام الشيعي في الظاهر ،
ولكنهم في حقيقة الأمر كفار بالله ورسله وكتبه .
فالحذر ممن يزور التاريخ
ويظهر هذه الدولة على أنها إسلامية ليتوصل بذلك إلى الطعن في الإسلام .
ولمعرفة حال هذه الدولة العبيدية ومعتقداتهم ينظر إجابة السؤال : (101896)
.
والله أعلم .