الحمد لله.
سبق الحديث عن حكم التكبير الجماعي وذكر أقوال العلماء فيه, وسبق الكلام أن
الاستدلال بما رواه البخاري في صحيحه (2 / 20): " أن ابن عمر، وأبو هريرة كانا
يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما» على شرعية الصورة
الموجودة الآن من التكبير الجماعي المنظم استدلال فيه نظر, فليراجع ذلك كله في
الفتوى رقم: (127851).
والحاصل : أن أبا هريرة رضي الله عنه ، وابن عمر رضي الله عنهما ، إنما كانا يخرجان
إلى السوق فيكبران في هذا المكان الذي تغلب فيه غفلة الناس وانشغالهم ، فيتذكر
الناس التكبير ، فيكبر كلٌّ على حدة ، إثر ذلك التذكر ، فيكثر المكبرون لأجل ذلك .
ولا علاقة لهذا بانقسام الناس فريقين ، أو ما ذكر من هذه التخيلات التي لا أصل لها
في الآثار أصلا .
وأما قول الشافعي في الأم (1 / 264) " فإذا رأوا هلال شوَّال أحببت أن يكبر الناس :
جماعة وفرادى ، في المسجد ، والأسواق، والطرق، والمنازل، ومسافرين، ومقيمين في كل
حال، وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير، ولا يزالون يكبرون حتى يغدوا إلى المصلى،
وبعد الغدو حتى يخرج الإمام للصلاة ، ثم يَدَعوا التكبير " انتهى.
فليس نصا في التكبير الجماعي بالصورة المعروفة الآن ، وهي أن يبدؤوا جميعا وينتهوا
جميعا ، ولم نقف على التصريح بذلك في كتب أصحابه ، مع شدة عنايتهم بتفاصيل ذلك
الباب ، حتى خصوه بباب : ( التكبير ) أو ( التكبير في العيدين ) في كثير من كتبهم .
والذي يظهر ، والله أعلم ، أنه يحمل على أن كل واحد يكبر ، سواء كان منفردا ، أو
كان في جماعة كلهم يكبرون ، في المسجد أو غيره مما ذكره ، دون توافق على صوت واحد .
ومعلوم أن الكلام إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فبقي ما ذكرناه في
الفتوى المحال عليها آنفا سالما عن المعارض.
مع التنبيه على أن القول
ببدعية هذه الصورة في التكبير الجماعي ليس قولا محدثا بل قد صرح به أئمة من أهل
العلم منذ زمان طويل, ومن هؤلاء ابن الحاج حيث قال في كتابه المدخل (2 / 285) عند
حديثه عن تكبير العيد " ثم إنهم يمشون على صوت واحد ؛ وذلك بدعة لأن المشروع إنما
هو أن يكبر كل إنسان لنفسه ، ولا يمشي على صوت غيره " انتهى.
والله أعلم.