فهل يعني هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستطيع رؤية كل شيء وراءه ؟
الحمد لله.
والرؤية الواردة في الأحاديث
على ظاهرها ، أي : أنه يراهم رؤية بصرية ، ويدل على ذلك ما رواه مسلم (423) من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله يوماً ، ثم انصرف ، فقال يا فلان :
( أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ ؟! أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ
يُصَلِّي ؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ، إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ
وَرَائِي ، كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ) .
قال النووي رحمه الله في -
شرحه للحديث - : " قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ
لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِر بِهِ مِنْ
وَرَائِهِ , وَقَدْ اِنْخَرَقَتْ الْعَادَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَكْثَر مِنْ هَذَا , وَلَيْسَ يَمْنَع مِنْ هَذَا عَقْل وَلَا شَرْع , بَلْ
وَرَدَ الشَّرْع بِظَاهِرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْل بِهِ . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ
أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : هَذِهِ
الرُّؤْيَة رُؤْيَة بِالْعَيْنِ حَقِيقَة " انتهى من " شرح مسلم للنووي " (4/149) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه
الله : " وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ : الْمُرَاد بِهَا الْعِلْم
: إِمَّا بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّة فِعْلهمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُلْهَم ,
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْعِلْم لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يُقَيِّدهُ بِقَوْلِهِ
مِنْ وَرَاء ظَهْرِي . وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّهُ يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينه وَمَنْ
عَنْ يَسَاره مِمَّنْ تُدْرِكهُ عَيْنه مَعَ اِلْتِفَات يَسِير فِي النَّادِر ,
وَيُوصَف مَنْ هُوَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاء ظَهْره , وَهَذَا ظَاهِر التَّكَلُّف
, وَفِيهِ عُدُول عَنْ الظَّاهِر بِلَا مُوجِب .
وَالصَّوَاب الْمُخْتَار : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى ظَاهِره , وَأَنَّ هَذَا
الْإِبْصَار إِدْرَاك حَقِيقِيّ خَاصّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
اِنْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَة , وَعَلَى هَذَا عَمَل الْمُصَنِّف فَأَخْرَجَ
هَذَا الْحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة , وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَام
أَحْمَد وَغَيْره " انتهى من " فتح الباري لابن حجر " (1/514) .
وهل تشمل تلك المعجزة حال
الصلاة وغيرها من الأحوال ؟ النص جاء في الصلاة ، وأما غيرها من الأحوال ، فلم يرد
فيه نص ، والمسألة محتملة عند بعض العلماء ، وعند آخرين أنها خاصة بحال الصلاة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ
بِحَالَةِ الصَّلَاة , وَيحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَاقِعًا فِي جَمِيع
أَحْوَاله, وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد" انتهى من " فتح الباري لابن
حجر"(1/515).
وقال الملا علي القاري : "
فإني أراكم من وراء ظهري ، لا يلزم دوامها ؛ لمنافاته خبر لا أعلم ما وراء جداري ،
فيخص هذا بحالة الصلاة وعلمه بالمصلين والله أعلم " .
انتهى بتصرف يسير من " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (4/197) – ترقيم
الشاملة - .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " أنه يراهم من وراء ظهره ، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : أنه
في هذه الحالة المعينة يرى الناس من وراء ظهره ، أما فيما سوى ذلك ، فإنه لا يرى من
وراء ظهره شيئا " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (5/113) .
والله أعلم .